شاهدة على المعنى المقصود هنا.
وأما قوله عز وجل: " ليس له بيت... "، و " لا له شئ... "، و " لا له ولد. "، فلا يخفى أنه لا يصح الجمود على ظاهره، بأن يقال: إن الزاهد هو الذي لا يتخذ في حياته بيتا ولا مالا ولا بنين، لأن ذلك كله مخالف لمقتضى الخلقة المادية وما أعد الله تعالى للإنسان من الجهازات التي بها يحصل التمتع من الأمور الدنيوية، ومخالف أيضا لسيرة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله الذي هو بنفسه أسوة حسنة لنا، وأوصيائه عليهم السلام الذين أمرنا باتباعهم.
بل المراد من هذه الجملات ونظائرها - كما قدمناه في بيان معنى الزهد في الدنيا في ذيل كلامه عز وجل: " فازهد في الدنيا.، (1) هو التجافي عن هذه الأمور الدنيوية، والاقبال والتوجه الباطني إلى الله تعالى والدار الآخرة. ولا ينافي ذلك وجود الأمور المذكورة للإنسان كما لا يخفى.
أضف إلى ذلك كلام سيد الساجدين عليه السلام الماضي، حيث نبه على بيان معنى الزهد الحقيقي بذكر الآية الشريفة، أعني قوله تعالى: * (لكيلا تأسوا على ما فاتكم، ولا تفرحوا بما آتاكم) * (2) فهذه الجملات من الحديث في مقام بيان أن الزاهد الحقيقي لتجافيه عن دار الغرور، لا يلتفت إلى شئ من الدار والمال والولد وغيرها من حطام الحياة الدنيا وزينتها، وإن كان واجدا لهذه الأمور، فلا يفرح ولا يبطر لوجودها، كما لا يأسف ولا يغتم لفقدانها.
وبهذا البيان يعلم معنى الأحاديث التي أوردنا ذيل هذه الفقرة. والله تعالى هو الهادي.