أقول: ينبغي للعبد المؤمن أن يحاسب نفسه في كل يوم، حتى يقف على أفعاله القبيحة وصفاته الرذيلة، فيقدم على اصلاحها ويأتي في ذيل كلامه عز وجل في صفات أهل الآخرة: " محاسبين لأنفسهم. " (1) تفصيل في هذا المجال بذكر الآيات والروايات وبيان قاصر منا.
فإن غفلة العبد المؤمن عن عيوب نفسه وصفاته الرذيلة، توجب أن يشتغل بعيوب المؤمنين وغيرهم واشاعتها بإظهار مساوي الناس، ويستتبع ذلك العجب وغرة النفس وسوء الظن بالأفراد، ويترتب عليه انعزاله وانعزال أفراد المجتمع بعضهم من بعض وتنازعهم وفشلهم.
ومن المعلوم أن الغافلين عن عيوبهم، سواء كانوا مؤمنين أم غيرهم، هم أهل الدنيا حقيقة، ولا ينبغي أن يكون المؤمن الحقيقي كذلك، حتى يشتغل بعيوب الناس ويفتح لسانه بها، فإن ذكر مساوي مطلق الناس مذموم، موجب للعذاب، وبالنسبة إلى المؤمنين منهم أشد عقابا، فيستحق بذلك عذابين: عذابا في الدنيا، وعذابا في الآخرة، كما قال تعالى: " إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في اللذين آمنوا، لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة) * (2) الآية.
ولم يبين سبحانه ما هو العذاب في الدنيا. ولعله هو الأثر السوء في نفس ذاكر عيوب الناس، أوما يترتب على فعله من وقوع التنافر والتشاجر في المجتمع، أو ما لم نعلم أن نبينه، إذ الله تعالى يقول: * (والله يعلم، وأنتم لا تعلمون) * (3) وقد أشار سبحانه في كلامه إلى نكتة أدق وألطف، وهي أنه كما يكون ذكر مساوي الناس وعيوبهم مذموما، كذلك حب الذكر والشيوع أيضا مذموم يوجب العذابين، فتدبر.