الأرض) * (1) فالأشياء كلها مسخرة للإنسان، يفعل فيها ما يشاء، ويتصرف فيها بما يريد.
فكأنها تعلن الانسان بأنا قد خلقنا لأجلك.
ومن المعلوم أن الحكيم تعالى خلقنا لمقصد أعلى وغرض أقصى، وهي العبودية عن معرفة.
فكل من تصور هذه الأمور الثلاثة أعني حاجة البشر إلى ما هو خارج عنه، وخضوع الموجودات بأجمعها للإنسان، والغرض من خلق الانسان - يصدق أن الغرض من الأمرين الأولين، هو الوصول إلى الأمر الثالث. فليس التمتع من مظاهر الدنيا كالطعام والشراب واللباس والسكنى ونحوها مذموما مطلقا، وإنما المذموم هو التمتع بها إذا أدى إلى الإخلال بالأمر الثالث، أعني الغرض الأصلي من الخلقة، فلو أدى التمتع بالدنيا ونعيمها إلى تعطيل الأمر الثالث أو الغفلة والنسيان عنه، لزم الاقتصار على قدر الضرورة وترك الزائد من الطعام واللباس ونحوهما.
ولذا ذكر الله سبحانه في هذه الفقرة من الحديث، كثرة الفرح واللذة عند الطعام من صفات أهل الدنيا، لا مطلق الفرح، وهكذا بالنسبة إلى غير الأكل من التمتعات الدنيوية، وفى الدعاء المروى: " ولا تجعل الدنيا أكبر همنا. "، (2) وفى دعاء مروى آخر:
" أعوذ بك من دنيا تمنع الآخرة. "، (3) حيث يستفاد منهما، أن الدنيا المذمومة هي التي تكون أكبرهم للإنسان، أو تمنع عن الآخرة، وإلا فالانسان محتاج إلى الدنيا ما دام انسانا، فيحتاج إلى أن يصرف بعض همه في الدنيا وتحصيلها، حتى يقدر على استدامة حياته.
وبالتأمل في هذا البيان، يظهر المراد من كثير من جملات هذا الحديث وغيرها مما ورد فيه الحث على ترك الدنيا أو ذمها.