حسن اقتصاده، ولا سبيل لأحد إلى ذلك، إلا بعون من الله عز وجل. " (1) أقول: إن الله تعالى خلق الانسان على الفطرة، وهو التوحيد، كما دل على ذلك قوله تعالى: * (فطرة الله التي فطر الناس عليها) * (2) الآية، ومن جانب آخر، جعل أساس خلقته المادية على الجهل، كما أشار إلى ذلك قول على بن الحسين عليهما السلام: " بناهم بنية على الجهل. " (3) فغير الأنبياء والأولياء عليهم السلام بسبب التوجه التام إلى عالمهم العنصري، صاروا محجوبين عن الفطرة بحجب الغفلات، وأما الأنبياء والأولياء عليهم السلام فلم يبتلوا بشئ من هذه الحجب، لأن طينتهم من العليين، ولأن مشية الله تعالى تعلقت على أن لا يحجبوا عن الفطرة بخلقتهم المادية، حتى يكونوا هادين للناس إلى الفطرة.
فالخروج من حجب الغفلات، أما أن يكون بالآيات الآفاقية والأنفسية، كما قال تعالى: * (سنريهم آياتنا في الآفاق وفى أنفسهم، حتى يتبين لهم أنه الحق) * (4) الآية، وإما بهداية الأنبياء والأولياء عليهم السلام.
ولما كان الطريق الأول لا يحصل إلا لمن لم يحجب عن فطرته، يجب على طالب الكمال وسالك سبيل الحقيقة، أن يمسك بهدى الأنبياء والأولياء عليهم السلام أو هدى من هدى بهدايتهم حتى يصل بعناية من الله تعالى إلى كماله وهو الرجوع إلى الفطرة بعد أن كان محتجبا عنها بحجب الغفلات. وتسمى هذه الهداية بالتفقه في الدين.
فمن لم يتفقه في الدين أو قل تفقهه، كأنه اختار الدنية والانغمار في الحجب والغفلة، فيكون لا محالة من أهل الدنيا وأبنائها.