8 - عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إن صاحب الدين فكر فعلته السكينة، واستكان فتواضع، وقنع فاستغنى، ورضي بما أعطى، وانفرد فكفى الأحزان، ورفض الشهوات فصار حرا، وخلع الدنيا فتحامى الشرور، وطرح الحسد فظهرت المحبة، ولم يخف الناس فلم يخفهم، ولم يذنب إليهم فسلم منهم، وسخط نفسه عن كل شئ ففاز، واستكمل الفضل وأبصر العافية فأمن الندامة.) (1) أقول: إن الله تعالى خلق الأشياء كلها لأجل الانسان، وخلق الانسان لنفسه، كما ينطق بذلك الحديث القدسي المعروف (خلقت الأشياء لأجلك، وخلقتك لأجلي.) (2) ومن جهة أخرى: أودع في الانسان من القوى ما يوجب صيانته وبقائه واستدامة حياته وسخر له ما في السماوات وما في الأرض.
وبعبارة أخرى: إن الأمور الخارجية كلها، من الجماد والنبات والحيوان البرية منها والبحرية، لسان حالها هو الخضوع والتسليم للانسان، كما أن لسان حال الأعضاء والجوارح في الانسان أيضا هو أن الموجودات الخارجية خلقت لأجله وتكون تحت سيطرته يفعل فيها ما يشاء ويتصرف فيها بما يريد.
وما أعطانا الله تعالى تلك السيطرة على الموجودات، إلا للوصول إلى المقصد الاعلى والفوز بالدرجات العلى، فلو ألهانا تلك الأمور الخارجية الغرض الأصلي من الخلقة، أو أراد الأعضاء والجوارح أن يتصرف في الأمور على خلاف ما خلقنا الله له، فعند ذلك يحكم العقل والشرع بقبح هذه التصرفات والتوجهات، فيجب رفضها والاقبال على التحفظ بالغرض مهما أمكن.
وما تدل على ذم الدنيا والنهي عن التمتع بها من الآيات والروايات، إنما ترشدنا إلى ما بيناه آنفا، لأترك الدنيا وترك التمتع بنعيمها وزينتها مطلقا واختيار الاعتزال عنها