فالأولى أن يقال تفرس فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك فبايعه مرتين، وأشار إلى أنه سيقوم في الحرب مقام رجلين فكان كذلك.
قلت: ولم يستحضر الحافظ ما وقع عند مسلم: انه - صلى الله عليه وسلم - بايعه ثلاث مرات، ولو استحضره لوجهه.
الخامس والعشرون: الحكمة في قطع عمر الشجرة في إخفاء مكانها أنه لا يحصل بها افتتان لما وقع تحتها من الخير، فلو بقيت لما أمن من تعظيم الجهال لها حتى ربما أفضى بهم أن لها قوة نفع وضر كما نراه الان شاهدا فيما دونها، والى ذلك أشاد عمر بقوله: " كانت رحمة من الله "، أي كان اخفاوها بعد ذلك رحمة من الله تعالى، ويحتمل ان يكن معنى قوله " رحمة من الله " أي كانت الشجرة موضع رحمته ومحل رضوانه لانزاله الرضى على المؤمنين عندها. وقول المسيب والد سعيد أنسيناها، وفي لفظ نسيناها، أي نسينا موضعها بدليل قوله:
فلم نقدر عليها.
وفي رواية عند الإسماعيلي فعمى علينا مكانها. وقول المسيب وابن عمر: أنهما لم يعلما مكانها، لا يدل على عدم معرفتها أصلا، فقد قال جابر كما في الصحيح: لو كنت أبصر اليوم لأريتكم مكان الشجرة، فهذا يدل على أنه كان يضبط مكانها بعينه، وإذا كان في آخر عمره بعد الزمان الطويل يضبط موضعها، ففيه دلالة على أنه كان يعرفه بعينها، قبل أن يقطعها عمر - رضي الله عنه.
السادس والعشرون: جزم ابن إسحاق وابن سعد والجمهور بان مدة الصلح عشر سنين، ورواه الحاكم عن علي - رضي الله عنه - ووقع في مغازي ابن عائذ في حديث ابن عباس وغيره أنها كانت سنتين، وكذا وقع عند ابن عقبة، ويجمع بان الذي قاله ابن إسحاق هي المدة التي وقع الصلح فيها حتى وقع نقضه على يد قريش كما سيأتي بيانه في غزوة الفتح.
وأما ما وقع في كامل ابن عدي ومستدرك الحاكم، والأوسط للطبراني من حديث ابن عمر أن مدة الصلح كانت أربع سنين، فهو مع ضعف اسناده منكر مخالف للصحيح.
السابع والعشرون: الذي كتب كتاب الصلح بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين سهيل، علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - كما رواه البخاري في كتاب الصلح عن البراء بن عازب - رضي الله عنهما -، وعمر بن شبة من حديث سلمة بن الأكوع، وإسحاق بن راهويه عن الزهيري. وروى عمر بن شبة عن عمرو بن سهيل بن عمرو عن أبيه قال: الكتاب عندنا كتبه محمد بن مسلمة، ويجمع بان أصل كتاب الصلح، بخط علي - رضي الله عنه - كما في الصحيح، ونسخ مثله محمد بن مسلمة لسهيل بن عمرو، وقال الحافظ: ومن الأوهام ما ذكره