رؤوسهما ويقول: لا أفارق عبادتكما حتى أموت على ما مات عليه أبي، إبراء لقريش مما اتهموه به، فلما رأته قريش، قاموا إليه فقالوا: ما وراءك؟ هل جئت بكتاب من محمد أو زيادة في مدة ما نأمن به أن يغزونا محمد؟ فقال: والله لقد أبى علي، وفي لفظ: لقد كلمته، فوالله ما رد على شيئا، وكلمت أبا بكر فلم أجد فيه خيرا، ثم جئت ابن الخطاب - رضي الله عنه - فوجدته أدنى العدو، وقد كلمت علية أصحابه، فما قدرت على شئ منهم الا أنهم يرمونني بكلمة واحدة، وما رأيت قوما أطوع لملك عليهم منهم له، إلا أن عليا لما ضاقت بي الأمور قال: أنت سيد بني كنانة، فاجر بين الناس، فناديت بالجوار، فقال محمد " أنت تقول ذلك يا أبا حنظلة!! " لم يزدني قالوا: رضيت بغير رضى، وجئت بما لا يغني عنا ولا عنك شيئا، ولعمر الله ما جوارك بجائز، وإن اخفارك عليهم لهين، ما زاد علي من أن لعب بك تلعبا. قال: والله ما وجدت غير ذلك.
ذكر مشاورته - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - في غزوة قريش روى ابن أبي شيبة عن محمد بن الحنفية - رحمه الله - عن أبي مالك الأشجعي - رضي الله عنه - قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بعض حجره فجلس عند بابها - وكان إذا جلس وحده لم يأته أحد حتى يدعوه -، فقال " أدع لي أبا بكر ". فجاء فجلس أبو بكر بين يديه، فناجاه طويلا، ثم أمره فجلس عن يمينه، ثم قال: " ادع لي عمر " فجاء فجلس إلى أبي بكر فناجاه طويلا، فرفع عمر صوته فقال: " يا رسول الله هم رأس الكفر، هم الذين زعموا أنك ساحر، وأنك كاهن، وأنك كذاب، وأنك مفتر "، ولم يدع عمر شيئا، مما كان أهل مكة يقولونه إلا ذكره، فأمره أن يجلس إلى الجانب الآخر، فجلس أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله ثم دعا الناس فقال: " ألا أحدثكم بمثل صاحبيكم هذين؟ فقالوا: نعم يا رسول الله فاقبل بوجهه إلى أبي بكر فقال: " إن إبراهيم كان ألين في الله تعالى من الدهن اللين، ثم أقبل على عمر، فقال: " إن نوحا كان أشد في الله من الحجر، وإن الامر أمر عمر، فتجهزوا وتعاونوا، فتبعوا أبا بكر فقالوا: يا أبا بكر، إنا كرهنا أن نسأل عمر عما ناجاك به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قال لي:
" كيف تأمرني في غزو مكة؟ " قال: قلت يا رسول الله!! هم قومك، حتى رأيت أنه سيطيعني، ثم دعا عمر فقال عمر: هم رأس الكفر، حتى ذكر له كل سوء كانوا يقولونه، وأيم الله وأيم الله لا تذل العرب حتى تذل أهل مكة، وقد أمركم بالجهاد ليغزوا مكة (1).