قال ابن هشام: ويدل عليه انه - صلى الله عليه وسلم - خرج في الحديبية في ألف وأربعمائة، ثم خرج بعد سنتين إلى فتح مكة في عشرة آلاف انتهى.
وأما قوله - تعالى - في هذه السورة: (وأثابهم فتحا قريبا) فالمراد به فتح خيبر على الصحيح، لأنها وقعت فيها المغانم الكثيرة، وقسمت خيبر على أهل الحديبية، واما قوله - تعالى: (فجعل من دون ذلك فتحا قريبا) فالمراد به الحديبية، واما قوله - تعالى: (إذا جاء نصر الله والفتح) وقوله - صلى الله عليه وسلم " لا هجرة بعد الفتح " (1) فالمراد به فتح مكة باتفاق، فبهذا يرتفع الاشكال وتجتمع الأقوال بعون الله.
وقال في موضع آخر: ومما ظهر من مصلحة الصلح المذكور غير ما ذكره الزهري، انه كان مقدمة بين يدي الفتح الأعظم الذي دخل الناس عقبه في دين الله أفواجا " فكانت الهدنة معناها كذلك، ولما كانت قصة الحديبية مقدمة للفتح سميت فتحا، لان الفتح في اللغة فتح مغلق، والصلح كان مغلقا حتى فتحه الله - تعالى. وكان من أسباب فتحه صد المسلمين عن البيت، فكان في الصورة الظاهرة ضيما للمسلمين، وفي الصورة الباطنة عزا لهم، فان الناس لأجل الامن الذي وقع بينهم اختلط بعضهم ببعض من غير نكير، وأسمع المسلمون المشركين القران وناظروهم على الاسلام جهرة آمنين، وكانوا قبل لا يتكلمون عندهم بذلك إلا خفية.
وظهر من كان يخفى إسلامه، فذل المشركون من حيث أرادوا العزة، وقهروا من حيث أرادوا الغلبة، (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) اللام للعلة الغائية، جعل الغفران علة للفتح من حيث أنه سبب عن جهاد الكفار والسعي في إعلاء الدين، وازاحة الشرك وتكميل النفوس الناقصة قهرا، ليصير ذلك بالتدريج اختيارا، وتخليص الضعفة من أيدي الظلمة، وتقدم الكلام على هذه الآية في أواخر تنبيهات المعراج، ويأتي له تتمة في الخصائص (ويتم) بالفتح المذكور (نعمته) إنعامه باعلاء الدين وضم الملك إلى النبوة (عليك ويهديك) في تبليغ الرسالة وإقامة مراسيم الديانة (صراطا) طريقا (مستقيما) يثبتك عليه، وهو دين الاسلام (وينصرك) الله (به نصرا عزيزا) ذا عز لا ذل معه (هو الذي أنزل السكينة) الثبات والطمأنينة (في قلوب المؤمنين) حتى يثبتوا، حتى لا تقلق النفوس وتدحض الاقدام (ليزدادوا إيمانا) يقينا (مع إيمانهم) يقينهم برسوخ العقيدة واطمئنان النفس عليها، أو أنزل فيه السكون إلى ما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ليزدادوا إيمانا) بالشرائع (مع إيمانهم) بالله واليوم الآخر (ولله جنود السماوات والأرض) فلو أراد نصر دينه بغيركم لفعل (وكان الله عليما) بخلقه (حكيما) في صنعه، أي لم يزل متصفا بذلك، ثم ذكر - تعالى - القصة في