ذكر كيفية الوقعة وما كان من أول الأمر من فرار أكثر المسلمين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم كانت العاقبة للمتقين، وما وقع في ذلك من الآيات قال ابن سعد: أشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حنين مساء ليلة الثلاثاء لعشر ليال خلون من شوال.
روى ابن إسحاق، والإمام أحمد وابن حبان عن جابر بن عبد الله، والإمام أحمد من طريقين، وأبو يعلى. ومحمد بن عمر عن أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنهما - لما استقبلنا وادي حنين انحدرنا في واد أجوف خطوط له مضايق وشعاب، وإنما ننحدر فيه انحدارا، وفي عماية الصبح، وقد كان القوم سبقونا إلى الوادي فمكثوا في شعابه وأجنابه ومضايقه وتهيئوا، فوالله ما راعنا ونحن منحطون إلا الكتائب قد شدوا علينا شدة رجل واحد، وكانوا رماة.
قال أنس - رضي الله عنه - استقلبنا من هوازن شئ، لا والله ما رأيت مثله في ذلك الزمان قط، من كثرة السواد، قد ساقوا نساءهم وأبناءهم وأموالهم ثم صفوا صفوفا، فجعلوا النساء فوق الإبل وراء صفوف الرجال، ثم جاؤوا بالإبل والبقر والغنم، فجعلوها وراء ذلك لئلا يفروا بزعمهم فلما رأينا ذلك السواد حسبناه رجالا كلهم، فلما انحدرنا في الوادي، فبينا نحن في غبش الصبح إن شعرنا إلا بالكتائب قد خرجت علينا من مضيق الوادي وشعبه، فحملوا حملة رجل واحد، فانكشفت أوائل الخيل - خيل بني سليم - موليه وتبعهم أهل مكة وتبعهم الناس منهزمين ما يلوون على شئ وارتفع النقع فما منا أحد يبصر كفه (1).
وقال جابر: وانحاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات اليمين، ثم قال: " أيها الناس هلم إلي أيها الناس، هلم إلي أنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا محمد بن عبد الله " (2).
قال: فلا شئ وحملت الإبل بعضها على بعض، فانطلق الناس.
وذكر كثير من أهل المغازي: أن المسلمين لما نزلوا وادي حنين تقدمهم كثير ممن لا خبرة لهم بالحرب، وغالبهم من شبان أهل مكة، فخرجت عليهم الكتائب من كل جهة، فحملوا حملة رجل واحد والمسلمون غارون، فر من فر، وبلغ أقصى هزيمتهم مكة، ثم كروا بعد.
وفي الصحيح عن البراء بن عازب - رضي الله عنهما - قال: عجل سرعان القوم - وفي