رأيهم عما كان، وكان أبو بكر - رضي الله عنه - يقول: ما كان فتح في الاسلام أعظم من صلح الحديبية، وكان الناس قصر رأيهم عما كان بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين ربه، والعباد يعجلون، والله - تعالى - لا يعجل لعجلة العبد حتى يبلغ الأمور ما أراد، لقد رأيت سهيل بن عمرو في حجة الوداع قائما عند المنحر يقرب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدنه ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينحرها بيده، ودعا الحلاق رأسه فانظر إلى سهيل يلقط من شعره، وأراه يضعه على عينيه، واذكر امتناعه أن يقر يوم الحديبية بان يكتب: " بسم الله الرحمن الرحيم " فحمدت الله - تعالى - الذي هداه للاسلام.
ذكر ما انزل الله سبحانه وتعالى في شان غزوة الحديبية: قال الله سبحانه وتعالى " انا فتحنا لك فتحا مبينا " بينا وظاهرا، وهذا اخبار عن صلح الحديبية، وسماه فتحا لأنه كان بعد ظهوره على المشركين حتى سألوه الصلح، وتسبب عنه فتح مكة، وفرغ به - صلى الله عليه وسلم - لسائر العرب فغزاهم، وفتح مواضع.
وروى البخاري عن أنس - رضي الله عنه - في الآية قال: الفتح صلح الحديبية (1).
وروى أيضا عن البراء رضي الله عنه - قال: تعدون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحا، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية.
قال الحافظ رحمه الله يعني قوله تعالى: (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) وهذا موضع وقع فيه اختلاف قديم: والتحقيق: أنه يختلف باختلاف المراد من الآيات. فقوله - تعالى: (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) المراد بالفتح هنا الحديبية، لأنها كانت مبدأ الفتح المبين على المسلمين لما ترتب على الصلح الذي وقع من الامن ورفع الحرب وتمكن من كان يخشى الدخول في الاسلام والوصول إلى المدينة من ذلك، كما وقع لخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص وغيرهما، ثم تبعت الأسباب بعضها بعضا، إلى أن كمل الفتح.
قال الزهري: لم يكن في الاسلام فتح قبل فتح الحديبية أعظم منه إنما كان الكفر حيث القتال، فلما أمن الناس كلهم، كلم بعضهم بعضا، وتفاوضوا في الحديث والمنازعة، ولم يكلم أحد بالاسلام يعقل شيئا الا بادر إلى الدخول فيه، فلقد دخل في تينك السنتين مثل من كان دخل في الاسلام قبل ذلك أو أكثر.