خرجت فلما كنت بذي المروة أذم بي فتلومت عليه يوما فلم أر به حركة، فأخذت متاعي فحملته. قال ابن مسعود: وأدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض منازله، قال محمد بن عمر: قال أبو ذر: فطلعت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نصف النهار وقد أخذ مني العطش، فنظر ناظر من المسلمين فقال: يا رسول الله، ان هذا الرجل يمشي على الطريق وحده، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم:
" كن أبا ذر " فلما تأمله القوم قالوا: يا رسول الله، هو والله أبو ذر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: " رحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده، ويبعث وحده " فكان كذلك كما سيأتي في المعجزات في أبواب اخباره - صلى الله عليه وسلم - بأحوال رجال، فلما قدم أبو ذر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبره خبره، فقال " قد غفر الله لك يا أبا ذر بكل خطوة ذنبا إلى أن بلغتني " (1) ووضع متاعه عن ظهره، ثم استقى فأتي باناء من ماء فشربه.
قصة أبي خيثمة - رضي الله عنه - روى الطبراني عن أبي خيثمة - رضي الله عنه - وابن إسحاق، ومحمد بن عمر عن شيوخهما قالوا: لما سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أياما دخل أبو خيثمة على أهله في يوم حار، فوجد امرأتين له في عريشين لهما في حائطه، وقد رشت كل منهما عريشها وبردت له فيه ماء، وهيأت له فيه طعاما، فلما دخل قام على باب العريش فنظر إلى امرأتيه وما صنعتا له فقال:
سبحان الله! رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر في الضح والريح والحر يحمل سلاحه على عنقه وأبو خيثمة في ظل بارد وطعام مهيأ، وامرأة حسنة، في ماله مقيم؟!! ما هذا بالنصف! ثم قال: والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى الحق برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهيئا لي زادا، ففعلتا، ثم قدم ناضحة فارتحله، ثم خرج في طلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أدركه حين نزل تبوك، وقد كان أدرك أبا خيثمة عمير بن وهب الجمحي في الطريق يطلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فترافقا حتى إذا دنوا من تبوك قال أبو خيثمة لعمير بن وهب:
ان لي ذنبا فلا عليك أن تخلف عنى حتى آتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففعل، حتى إذا دنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الناس: هذا راكب على الطريق مقبل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " كن أبا خيثمة " فقال رجل: هو والله يا رسول الله أبو خيثمة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أولى لك يا أبا خيثمة " ثم أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخبر، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: خيرا، ودعا له بخير، قال ابن هشام: وقال أبو خيثمة في ذلك:
لما رأيت الناس في الدين نافقوا * أتيت التي كانت أعف وأكرما