راعني إلا صوته: يا أبا بردة، فقلت: لبيك يا رسول الله، فأقبلت سريعا فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس وعنده رجل جالس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن هذا الرجل جاءني وأنا نائم، فسل سيفي، وقام به على رأسي، فانتبهت وهو يقول: يا محمد من يمنعك مني؟ فقلت: الله تعالى، قال أبو بردة: فسللت سيفي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: شم سيفك فقلت: يا رسول الله، دعني أضرب عنق عدو الله، فإنه من عيون المشركين. فقال لي: " اسكت يا أبا بردة ". فما قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا ولا عاقبه. قال: فجعلت أصيح به في العسكر لأشهره للناس فيقتله قاتل بغير أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأما أنا فقد كفني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قتله، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " يا أبا بردة كف عن الرجل: فرجعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا أبا بردة إن الله مانعي وحافظي حتى يظهر دينه على الدين كله " (1).
ذكر الآية التي حصلت لجواسيس المشركين في هذه الغزوة روى أبو نعيم والبيهقي من طريق ابن إسحاق قال: حدثني أمية بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان أنه حدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد انتهى إلى حنين مساء ليلة الثلاثاء لعشر خلون من شوال، وبعث مالك بن عوف ثلاثة نفر من هوازن ينظرون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وأمرهم أن يتفرقوا في العسكر فرجعوا إليه وقد تفرقت أوصالهم، فقال:
ويلكم ما شأنكم، فقالوا: رأينا رجالا بيضا على خيل بلق، فوالله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى، والله ما نقاتل أهل الأرض، إن نقاتل إلا أهل السماوات وإن أطعتنا رجعت بقومك، فان الناس إن رأوا مثل الذي رأينا أصابهم مثل ما أصابنا. فقال: أف لكم، أنتم أجبن أهل العسكر، فحبسهم عنده فرقا أن يشيع ذلك الرعب في العسكر، وقال: دلوني على رجل شجاع، فاجمعوا له على رجل، فخرج ثم رجع إليه قد أصابه كنحو ما أصاب من قبلة منهم، فقال: ما رأيت؟ قال: رأيت رجالا بيضا على خيل بلق، ما يطاق النظر إليهم، فوالله ما تماسكت أن أصابني ما ترى، فلم يثن ذلك مالكا عن وجهه (2)، وروى محمد بن عمر نحوه عن شيوخه.
ذكر تعبئة المشركين عسكرهم قال شيوخ محمد بن عمر: لما كان ثلثا الليل عمد مالك بن عوف إلى أصحابه فعبأهم في وادي حنين، وهو واد أجوف خطوط ذو شعاب ومضايق، وفرق الناس فيها، وأوعز إليهم أن يحملوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه حملة واحدة. وعبأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه