بسم الله الرحمن الرحيم [الباب العشرون] [في غزوة بني قريظة] تقدم في غزوة الخندق أنهم ظاهروا قريشا وأعانوهم على حرب النبي صلى الله عليه وسلم - ونقضوا العهود والمواثيق التي كانت بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما أجدى ذلك عنهم شيئا وباءوا بغضب من الله ورسوله، والصفقة الخاسرة في الدنيا والآخرة. قال الله سبحانه وتعالى: (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم يناولوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا وانزل الذين ظاهروهم - اي أعانوهم - من أهل الكتاب من صياصيهم - اي حصونهم - وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تفتلون وتأسرون فريقا.
وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها وكان الله على كل شئ قدير) [الأحزاب 25: 27].
قال محمد بن عمر عن شيوخه: لما تفرق المشركون عن الخندق خافت بنو قريظة خوفا شديدا، وقالوا: محمد يزحف إلينا، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر بقتالهم حتى جاءه جبرئيل يأمره به.
روى الإمام أحمد والشيخان - مختصرا - والبيهقي والحاكم في صحيحه مطولا عن عائشة، وأبو نعيم، والبيهقي من وجه آخر عنها، وابن عائذ عن جابر بن عبد الله، وابن سعد عن حميد بن هلال، وابن جرير عن عبد الله بن أبي أوفى والبيهقي وابن سعد عن الماجشون، والبيهقي عن عبيد الله بن كعب بن مالك، وسعيد بن جبير وابن سعد بن يزيد بن الأصم، ومحمد بن عمر شيوخه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما رجع عن فيتعين الرجوع إلى الأصل العملي، فعلى القول بجريان الأصل في العدم الأزلي يجري استصحاب عدم كونه مكيلا أو موزونا فيحكم بعدم جريان الربا فيه، وعلى القول بعدمه فكذلك إن أحرز عدم كونه كذلك قبل عصر النبي (ص) وإلا فيتعين الرجوع إلى أصالة عدم ترتب الأثر، وبعبارة أخرى إلى أصالة الفساد في المعاملات.
ثم إنه بناء على ما اخترناه تسقط جملة من الفروع التي ذكرناها الأصحاب في المقام.
نعم يبقى فرعان: الأول: لو فرضنا كون المبيع في بلد والعقد في بلد آخر، والمتعاقدين أهل بلد ثالث، والمبيع في بعض تلك البلاد مكيل أو موزون، وفي بعضها يباع جزافا فهل العبرة ببلد المبيع نظرا إلى أن الشرط وصف له، أم ببلد العقد، أم ببلد المتعاقدين؟ وجوه أظهرها: الثالث، فإن الظاهر من الروايات أن ما يشترط في صحة بيعه الكيل أو الوزن، ولا يصح بيعه جزافا يجري فيه الربا، ومن الواضح أنه في الفرض يشترط في البيع المذكور رعاية حال المتعاقدين، لقوله (ع) في صحيح الحلبي:
ما سميت فيه كيلا (1) فإنه موجه إلى البائع.
الثاني: أنه لو وقعت المعاملة في الصحراء وكان البلاد مختلفة في التقدير ولم يكن الصحراء ملحقا بأحدها، فإن كان المتعاقدان أهل بلد لحقهما حكمه كما تقدم، وإلا فالظاهر عدم جريان الربا فيه وكذا جواز بيعه بغير الكيل والوزن، للعمومات بعد عدم شمول دليل الكيل والوزن لهذا المورد كما واضح، الخندق، والمسلمون وقد عضهم الحصار، فرجعوا مجهودين، فوضعوا السلاح، ووضعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودخل بيت عائشة ودعا بماء فأخذ يغسل رأسه - قال ابن عقبة قد رجل أحد شقية. قال محمد بن عمر:
غسل رأسه واغتسل، ودعا بالمجمرة ليتبخر، قئد صلى الظهر، قالت عائشة: فسلم علينا رجل ونحن في البيت. قال محمد بن عمر: وقف موضع الجنائز، فنادى عذيرك من محارب! فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فزعا فوثب وثبة شديدة، فخرج إليه، وقمت في اثره انظر من خلل الباب، فإذا هو دحية الكلبي فيما كنت ارى - وهو ينفض الغبار عن وجهه، وهو معتم، وقال ابن إسحاق: معتجر بعمامة، قال الماجشون - كما رواه أبو نعيم عنها، سوداء من استبرق، مرخ من عمامته بين كتفيه، على بغلة شهباء - وفي لفظ: فرس - عليها رحالة وعليها قطيفة من ديباج - قال الماجشون: أحمر - على ثناياه لاثر الغبار، وفي رواية: قد عصب رأسه الغبار، عليه لامته،