في ظلمة لا أبصر سهلا ولا جبلا، وأرى تلك الظلمة انفرجت علي بضوء كأنه الشمس، وإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعوني، ثم رأيت في الليلة الثانية، كأني على طريق يدعوني، وإذا هبل عن يميني يدعوني، وإذا إساف عن شمالي يدعوني، وإذا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين يدي يقول:
" هلمي إلى الطريق، ثم رأيت الليلة الثالثة كأني واقفة على شفير جهنم، يريدون أن يدفعوني فيها، وإذا بهبل يقول أدخلوها فالتفت فانظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ورائي آخذ بثيابي، فتباعدت من شفير النار فلا أرى النار، ففزعت فقلت: ما هذا، وقد تبين لي، فغدوت من ساعتي إلى صنم في بيت كنا نجعل عليه منديلا، فأخذت قدوما فجعلت أفلذه وأقول: طالما كنا منك في غرور، وأسلمت.
وروى أيضا عن عبد الله بن الزبير - رضي الله عنهما - أن هندا أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بالأبطح، فأسلمت، وقالت: الحمد لله الذي أظهر الدين الذي اختاره لنفسه لتمسني رحمتك يا محمد، إني امرأة مؤمنة بالله، مصدقة به ثم كشفت عن نقابها، فقالت: أنا هند بنت عتبة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " مرحبا بك " فقالت يا رسول الله: والله ما كان على وجهه الأرض من أهل خباء أحب إلي من أن يذلوا من خبائك، ولقد أصبحت وما على الأرض أهل خباء أحب إلي أن يعزوا من خبائك.
وروى أيضا عن أبي حصين الهذلي قال: لما أسلمت هند بنت عتبة، أرسلت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهدية - وهو بالأبطح - مع مولاة لها بجديين مرضوفين وقد، فانتهت الجارية إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إن مولاتي أرسلت إليك هذه الهدية، وهي تعتذر إليك وتقول: إن غنمنا اليوم قليلة الوالدة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " بارك الله لكم في غنمكم وأكثر والدتها " وكانت المولاة تقول: لقد رأينا من كثرة غنمنا ووالدتها ما لم نكن نرى قبل ولا قريبا، فتقول هند: هذا بدعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم تقول: لقد كنت أرى في النوم أني في الشمس أبدا قائمة والظل مني قريب لا أقدر عليه، فلما دنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأيت كأني دخلت الظل.
ذكر سبب خطبته - صلى الله عليه وسلم - ثاني يوم الفتح وتعظيمه حرمة مكة روى ابن أبي شيبة عن الزهري، ومحمد بن عمر عن شيوخه، قالوا: خرج غزي من هذيل في الجاهلية وفيهم جنيدب بن الأدلع الهذلي يريدون حي أحمر بأسا من أسلم - وكان أحمر بأسا رجلا من أسلم شجاعا لا يرام، وكان لا ينام في حيه إلا ينام خارجا من حاضره، وكان إذا نام غط غطيطا منكر الا يخفى مكانه، وكان الحاضر إذا أتاهم فزع صرخوا: يا أحمر بأسا. فيثور مثل الأسد، فلما جاءهم ذلك الغزي من هذيل قال لهم جنيدب بن الأدلع: إن كان