قال شيوخ محمد بن عمر: فجعلت أم عمارة تصيح يا للأنصار: أية عادة هذه. مالكم والفرار؟! قالت: وأنظر إلى رجل من هوازن على جمل أورق معه لواء يوضع جمله في أثر المسلمين، فاعترض له فاضرب عرقوب الجمل. فيقع على عجزه وأشد عليه، ولم أزل أضربه حتى أثبته، وأخذت سيفا له. ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم، مصلت السيف بيده، قد طرح غمده ينادي: " يا أصحاب سورة البقرة " فكر الأنصار، ووقفت هوازن قدر حلب ناقة فتوح، ثم كانت إياها، فوالله ما رأيت هزيمة قط كانت مثلها، قد ذهبوا في كل وجه، فرجع إلي أبنائي جميعا:
حبيب وعبد الله أبناء زيد بأسارى مكتفين، فأقوم إليه من الغيظ فأضرب عنق واحد منهم، وجعل الناس يأتون بالأسارى فرأيت في بني مازن ابني النجار ثلاثين أسيرا، وكان المسلمون بلغ أقصى هزيمتهم مكة، ثم كروا بعد وتراجعوا، فاسهم لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جميعا، وكانت أم الحارث الأنصارية آخذة بخطام جمل الحارث زوجها، وكان يسمى المجسار فقالت: يا حار أتترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس يولون منهزمين؟! وهي لا تفارقه، قالت: فمر علي عمر بن الخطاب فقلت: يا عمر ما هذا؟ قال: أمر الله تعالى (1).
ذكر انهزام المشركين قال محمد بن عمر - رحمه الله تعالى - لما نادى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأنصار كروا راجعين فجعلوا يقولون: يا بني عبد الرحمن، يا بني عبد الله، يا بني عبيد الله، يا خيل الله.
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد سمى خيله خيل الله، وجعل شعار المهاجرين: بني عبد الرحمن، وجعل شعار الأوس: بني عبيد الله، وشعار الخزرج: بني عبد الله.
روى محمد بن عمر عن محمد بن عبد الله بن أبي صعصعة: أن سعد بن عبادة جعل يصيح يومئذ: يا للخزرج ثلاثا، وأسيد بن الحضير يصيح: يا للأوس - ثلاثا فثابوا من كل ناحية كأنهم النحل تأوى إلى يعسوبها، قال أهل المغازي فحنق المسلمون على المشركين فقتلوهم حتى أسرع القتل في ذراري المشركين. فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " ما بال أقوام بلغ بهم القتل حتى بلغ الذرية! ألا لا تقتل الذرية، ألا لا تقتل الذرية " ثلاثا (2) - فقال أسيد بن الحضير: يا رسول الله، أليس إنما هم أولاد المشركين؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أليس خياركم أولاد المشركين! كل نسمة تولد على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها، فأبواها يهودانها أو ينصرانها ".
قال محمد بن عمر: قال شيوخ ثقيف، ما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طلبنا، فيما نرى