وأما قول ابن إسحاق - رحمه الله - إنهم كانوا سبعمائة فلم يوافقه أحد عليه، لأنه قاله استنباطا من قول جابر - رضي الله عنه -: نحرنا البدنة عن عشرة، وكانوا نحروا سبعين بدنة.
وهذا لا يدل على أنهم لم ينحروا غير البدن، مع أن بعضهم لم يكن أحرم أصلا. وقال ابن القيم: ما ذكره ابن إسحاق غلط بين، واستدل به من أنهم نحروا سبعين بدنة، والبدنة جاء إجزاؤها عن سبعة وعن عشرة، هذا لا يدل على ما قاله فإنه قد صرح أنا لبدنة في هذه العمرة عن سبعة، فلو كانت السبعون عن جميعهم كانوا أربعمائة وتسعين رجلا، وقد قال في تمام الحديث بعينه: إنهم كانوا ألفا وأربعمائة.
وأما ما وقع في حديث المسور ومروان عن البخاري أنهم خرجوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بضع عشرة مائة، فيجمع أيضا بان الذين بايعوا كانوا كما تقدم. وأما الذين زادوا على ذلك فكانوا غائبين عنها، كمن توجه مع عثمان - رضي الله عنه - إلى مكة، على أن لفظ البضع يصدق على الخمس والأربع، فلا تخالف.
وجزم ابن عقبة بأنهم كانوا ألفا وستمائة، وفي حديث سلمة بن الأكوع عند ابن أبي شيبة ألفا وسبعمائة. وحكى ابن سعد: انهم كانوا ألفا وخمسمائة وخمسة وعشرين. وهذا إن ثبت تحرير بالغ.
وزاد ابن مردويه عن ابن عباس، وفيه رد على ابن دحية، حيث زعم أن سبب الاختلاف في عددهم، أن الذي ذكر عددهم لم يقصد التحديد، وانما ذكره بالحدس والتخمين.
الرابع: في أخذه - - صلى الله عليه وسلم - ذات اليمين عن خالد وجيشه، جواز الاستتار عن طلائع المشركين ومفاجأتهم بالجيش طلبا لغرتهم.
الخامس: في استشارته - صلى الله عليه وسلم - أصحابه، استحباب مشورة الامام رعيته وجيشه اشتخراجا لوجه الرأي، واستطابة لنفوسهم، وان يخصص به بعضهم دون البعض.
السادس: في قوله - صلى الله عليه وسلم -: ما خلات وما ذاك لها بخلق، جواز الحكم على الشئ بما عرف من عادته، وان جاز أن يطرأ عليه، وإذا وقع من شخص هفوة لا يعهد مثلها منه لا تنسب إليه ويرد على من نسبه إليها ممن، لا يعرف صورة حاله، لان خلا القصواء لولا خارق العادة لكان ما ظنه الصحابة جميعا صحيحا، ولم يعاتبهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بعذرهم في ظنهم.
السابع: قوله - صلى الله عليه وسلم - حبسها حابس الفيل: أي حبسها الله عز وجل عن دخول مكة كما حبس الفيل عن دخولها، وقصة الفيل مشهورة، وتقدمت الإشارة إليها. ومناسبة ذكرها أن الصحابة لو دخلوا مكة على تلك الصورة وصدتهم قريش عن ذلك لوقع بينهم قتال قد يفضي إلى سفك الدماء ونهب الأموال، كما لو قدر دخول الفيل وأصحابه مكة، لكن سبق في علم