يقول: رحمة لهم فاخذ منهم الصدقة، واستغفر لهم وكان ثلاثة نفر منهم لم يوثقوا أنفسهم بالسواري فارجئوا سنة لا يدرون يعذبون أو يتاب عليهم، فأنزل الله تعالى: (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة) [التوبة [114] إلى آخر الآية. وقوله: (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) إلى قوله: (ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم) [التوبة 118] يعني استقاموا فأنزل الله تبارك - وتعالى - في شان هذه الغزوة كثيرا من سورة براءة تقدم كثير من ذلك في محاله. قال البيهقي: وزعم ابن إسحاق أن ارتباط أبي لبابة كان في وقعة بني قريظة، وقد روينا عن ابن عباس وسعيد بن المسيب ما دل على أن ارتباطه كان بتخلفه في غزوة تبوك.
تنبيهات الأول: تبوك - بفتح الفوقية وضم الموحدة وهو أقصى أثر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي في طرف الشام من جهة القبلة، وبينها وبين المدينة المشرفة اثنتا عشرة مرحلة. قال في النور:
وكذا قالوا، وقد سرناها مع الحجيج في اثنتي عشرة مرحلة، وبينها وبين دمشق إحدى عشرة مرحلة. والمشهور ترك صرفها للعلمية والتأنيث. وفي حديث كعب السابق: ولم يذكرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بلغ تبوكا كذا في جميع النسخ في صحيح البخاري وأكثر نسخ صحيح مسلم تغليبا للموضع، وكذا قال النووي والحافظ وجمع. قال في التقريب: وهو سهو لأن علة منع كونه على مثال الفعل " تقول " فالمذكر والمؤنث في ذلك سواء.
قال في الروض تبعا لابن قتيبة: سميت الغزوة بعين تبوك، وهو العين التي أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألا يمسوا من مائها شيئا فسبق إليها رجلان، وهي تبض بشئ من ماء فجعلا يدخلا فيها سهمين ليكثر ماءها، فسبهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما زلتما تبوكانها منذ اليوم، فلذلك سميت العين تبوك. البوك كالنقش والحفر في الشئ، ويقال:
منه باك الحمار الأتان يبوكها إذا نزا عليها. قال الحافظ: وقعت تسميتها بذلك في الأحاديث الصحيحة " إنكم ستأتون غدا عين تبوك ". رواه مالك ومسلم. قلت: صريح الحديث دال على أن تبوك اسم على ذلك الموضع الذي فيه العين المذكورة. والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال هذا القول قبل أن يصل تبوك بيوم. وذكرها في المحكم في الثلاثي الصحيح، وذكرها ابن قتيبة والجوهري وابن الأثير وغيرهم في المعتل في بوك.
الثاني: وقع في الصحيح ذكرها بعد حجة الوداع. قال الحافظ: وهو خطأ، ولا خلاف أنه قبلها ولا أظن ذلك إلا من النساخ، فان غزوة تبوك كانت في رجب سنة تسع قبل حجة الوداع بلا خلاف. وعند ابن عائذ من حديث ابن عباس: أنها كانت بعد الطائف بستة أشهر،