والحصى يطير من تحت قدميه من شدة عدوه، وأبو بصير في أثره، فأعجزه وأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس في أصحابه بعد العصر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين رآه: " لقد رأى هذا ذعرا فلما انتهى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ويحك مالك " قال: قتل والله صاحبكم صاحبي وأفلت منه بعير العامري. ودخل متوشحا سيفه. فقال: يا رسول الله قد وفت ذمتك وادى الله عنك، وقد أسلمتني بيد العدو، وقد امتنعت بديني من أن أفتن، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ويل أمه مسعر حرب (1) " وفي لفظ " محش حرب، لو كان معه رجال " وفي لفظ له أحد قال عروة ومحمد بن عمر: وقدم سلب العامري لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليخمسه، فقال: " إني إذا خمسته رأوني لم أوف لهم بالذي عاهدتهم عليه، ولكن شأنك بسلب صاحبك، واذهب حيث شئت " وفي الصحيح أن أبا بصير لما سمع قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ويل أمه مسعر حرب لو كان معه أحد " عرف أنه سيرده، فخرج أبو بصير ومعه خمسة كانوا قدموا معه مسلمين من مكة حين قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يكن طلبهم أحد حتى قدموا سيف البحر، ولما بلغ سهيل بن عمرو قتل أبو بصير العامري إشتد عليه وقال: ما صالحنا محمد على هذا. فقالت قريش: قد برئ محمد منه قد أمكن صاحبكم منه فقتله بالطريق، فما على محمد في هذا؟ فأسند سهيل ظهره إلى الكعبة وقال: والله أؤخر ظهري حتى يودى هذا الرجل، قال أبو سفيان بن حرب: إن هذا لهو السفه، والله لا يودى ثلاثا - وانى قريش تديه وانما بعثته بنو زهرة؟ فقال الأخنس بن شريق: والله ما نديه، ما قتلناه ولا أمرنا بقتله، قتله رجل مخالف فارسلوا إلى محمد يديه. فقال أبو سفيان بن حرب: لا، ما على محمد دية ولا غرم قد برئ محمد. ما كان على محمد أكثر مما صنع، فلم تخرج له دية فأقام أبو بصير وأصحابه بسيف البحر، وقال ابن شهاب: بين العيص وذي المروة من أرض جهينة على طريق عيرات قريش.
قال محمد بن عمر: لما خرج أبو بصير لم يكن معه إلا كف تمر فاكله ثلاثة أيام، وأصاب حيتانا قد ألقاها البحر بالساحل فاكلها، وبلغ المسلمين الذين قد حبسوا بمكة خبر أبي بصير، فتسللوا إليه.
قال محمد بن عمر: كان عمر بن الخطاب هو الذي كتب إليهم بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بصير " ويل أمه محش حرب لو كان له رجال " وأخبرهم أنه بالساحل، وانفلت أبو جندل بن سهيل بن عمرو الذي رده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المشركين بالحديبية، فخرج هو وسبعون راكبا ممن أسلموا فلحقوا بابي بصير، وكرهوا أن يقدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في