يحكم بها النبيون الذين أسلموا، فالذين أسلموا: محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقد حكم بالتوراة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في المرجوم اليهودي الذي زنى، فرجمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر أنس بن مالك رضي الله عنه أن يهوديا لقي جارية من جواري الأنصار في بعض أنقاب المدينة، وعليها أوضاح (1) من ذهب وورق، فأخذ الأوضاح منها، وشدخ رأسها بين حجرين، فأدركت الجارية وبها رمق، فاتهم بها اليهود، فأتي بهم، فعرضوا عليها رجلا رجلا وهي لا تتكلم، حتى أتي بصاحبها الذي قتلها فعرفته. فقيل له: هذا الذي قتلك؟ فأومأت برأسها أن نعم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فشدخ رأسه بين حجرين، فهذا يا أمير المؤمنين حكم الدماء، والقسامة فيها سنة قائمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء، فقنعوا منه بذلك، وصاروا إلى الرضا بقوله، والتصديق لروايته، والتسليم لتأويل ما تأول من القرآن الكريم. ثم قال له مالك: إن أباك يا أمير المؤمنين بعث إلي في هذا المجلس كما بعثت إلي، وحدثته بما حدثتك به في شأن أهل المدينة، وما يصبرون عليه من البلاء، وشدة الزمان، وغلاء الأسعار، صبرا على ذلك، واختيارا لجوار قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال هارون: ذلك هو أبي وأنا ابنه، وسوف أفعل ما فعل، وأمر لأهل المدينة بعشرة أبيات مال (2)، ضعف ما أمر به المهدي، وكان أبو يوسف القاضي مع الرشيد يومئذ، فسأله أن يجمع بينه وبين مالك، ليكلمه في الفقه. فقال الرشيد لمالك:
كلمه يا أبا عبد الله، فأنف من ذلك مالك، وتنزه عنه، وقال لهارون: هاهنا من فتيان قريش من تلامذتنا، من يبلغ حاجة أمير المؤمنين، ويخصمه (3) فيما يتكلم به، ويذهب إليه، فسر ذلك الرشيد حين أضاف ذلك إلى قريش. فقال: من هو؟ فقال: المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي (4)، فبعث إليه الرشيد فجمعه بأبي يوسف فقال: كلمني بما بدا لك أجاوبك. فقال أبو يوسف القاضي (5): يا أمير