وذكروا أنهم سمعوا رجلا يحدث ويقول: بينا رجل باليمن نائم على سطح له ذات ليلة، إذ تسور عليه كلب، فسمعه وهو يقول لهرة له: أي جنة، هل من شئ أصيبه، فإني والله أكال؟ فقال له الهرة: ما ثم شئ لقد غطوا الإناء، وأكفئوا الصحفة فقال لها: هل تدنيني من يد صبي، أو قدر لم تغسل، أشمها لترتد لي روحي؟ قالت الهرة: ما كنت لإخوانهم أمانتي، فمن أين أقبلت تشكو الكلل والجوع؟ قال: من الشام، شهدت وفاة عمر بن عبد العزيز، وحضرت جنازته. قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون. نور كان في الدنيا فطمس، ثم زالت عنه، وتنحت وفرت منه، وهابته خوفا من أن يعدو عليها، ثم انسل الكلب ذاهبا، فلما أصبح الرجل جعل يقول للهرة: أي جنة، جزاك الله عنا خيرا قال:
فاستوبرت (1) الهرة، وذهبت فلم ترد بعد، فكتب ذلك اليوم فجاءهم موت عمر في ذلك اليوم.
وذكروا أن زياد بن عبد الله أخبرهم قال: كان رجل في بعض كور الشام يعالج أندرا (2) له مع زوجته، وكان قد استشهد ابن لهما منذ زمان طويل، فنظر الرجل إلى فارس مقبل نحوهما. فقال الرجل لزوجته: يا فلانة، هذا والله ابني وابنك مقبلا، فنظرت المرأة فقالت: أخدعك الشيطان؟ إنك مفتون بابنك، وإنك تشبه به الناس كلهم، كيف يكون ابنك، وابنك استشهد منذ حين، فاستعاذ الرجل بالله من الشيطان الرجيم، ثم أقبل على أندره يعالجه، ودنا منهما الفارس، ثم نظر ثانية، قال: يا فلانة، ابني والله وابنك، فنظرت ودنا منهما الفارس، فلما وقف عليهما فإذا هو ابنهما. قال: فسلم عليهما وسلما عليه.
فقالا له: يا بني أما كنت استشهدت منذ حين؟ قال: نعم. إلا أن عمر بن عبد العزيز توفي الليلة، فاستأذن الشهداء ربهم عز وجل في شهود جنازته، فأذن لهم، وكنت فيهم، فاستأذنت ربي في زيارتكما والنظر، فأذن لي، ثم ودعاه، وسلما عليه، ودعا لهما، ثم ذهب.