وما بسط له من ذلك، حتى أظهر فرحه وزهوه، ثم قال لجلسائه: هل رأيتم مثل ما أنا فيه، أم هل أوتي أحد مثل ما أوتيت؟ وكان عنده رجل من بقايا حملة الحجة والعلم، والمضي على أدب الحق ومنهاج الصدق في الضمير والمقالة، وقد قيل: إن الله الجليل، لم يخل الأرض منذ هبط آدم، من قائم يقوم بحجة الله فيها، وكان ذلك الرجل ممن يسامره. قال: أيها الملك، قد سألت عن أمر أفتأذن لي بالجواب فيه؟ قال: نعم. قال: أرأيتك هذا الذي أعجبك مما عليه اطلع نظرك، واستطال ملكك وسلطانك، أشئ لم يزل لك ولم يزل عنك، أم شئ كان لغيرك، فزال عنه إليك، ثم هو صائر إلى غيرك كما صار إليك؟ قال الملك: بل كما ظننت ومثلت. قال: فإني أراك أعجبت بما يفنى، وزهدت فيما يبقى، وسررت بقليل، وحسابه غدا طويل. قال: ويحك فكيف المطلب، وأين المهرب، وما الحيلة في المخرج؟ قال: إحدى خصلتين، إما أن تقيم في ملكك، فتعمل فيه بطاعة ربك على ما سرك وساءك وأمضك، وإما أن تصنع تاجك ونجادك، وتذكر ذنوبك، وتلحق في الخلاء بمن يغفر لك، فتعبد فيه ربك، حتى يوافيك أجلك، وتنقضي مدتك، وأنت عامل لربك فيما يعطيك.
قال: فإذا فعلت ذلك فما لي؟ فقال: ملك خالد لا يفنى، ونعيم، لا ينقضي، ومزيد وكرامة، وصحة لا تستقيم (1) أبدا، وسرور لا ينصرم، وشباب لا يشوبه هرم، وقرار لا يخالطه هم. قال الملك: سأنظر إلى نفسي في الاختيار لها مما ذكرت لي، فإذا كان وقت السحر، فاقرع علي بابي لتعرف رأيي، فإني مختار إحدى المنزلتين، فإن أقمت في ملكي، واخترت ما أنا فيه، كنت وزيرا لا تعصى، وإن خلوت كنت رفيقا لا تجفى. فلما كان السحر، قرع عليه بابه، فإذا هو قد وضع تاجه، ولبس أطماره (2)، فلحقا بالجبل، فلم يزالا يعبدان الله فيه، حتى بلغ أجلهما، وانقضى عمرهما (3). فبكى هشام حتى بل لحيته، ثم نكس رأسه طويلا، ثم أمر بنزع أبنيته وانتقاله، وأقبلت العامة من الموالي على ابن الأهتم، فقالوا له: ما أردت لأمير المؤمنين، أفسدت عليه لذته، ونغصت عليه