وعلى جوار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! فقال المهدي: بلى والله يا أبا عبد الله، حتى لا أجد إلا مثل هذا، ومد يده ليأخذ من الأرض شيئا فلم يجده. ثم قال صدقت فيهم وبررت، وحضضت على الرشد، فأنت أهل أن يطاع أمرك، ويسمع قولك، فأمر له بخمسة أبيات مال، والبيت عندهم خمسمائة ألف، وأمر مالكا أن يختار من تلامذته رجالا يثق بهم، ويعتمد عليهم، يقسمونها على أهل المدينة، ويؤثرون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله، وأهل بيت أبي بكر وعمر وعثمان، ثم أهل بيوت المهاجرين والأنصار، ثم الذين اتبعوهم بإحسان، ففعل فأغنى أهل المدينة عامهم ذلك.
ذكر استخلاف هارون الرشيد قال: وذكروا أنه لما كانت سنة ثلاث وسبعين ومائة توفي المهدي، وذلك أنه خرج يوما إلى بعض المنازل، ومعه أهله وبعض بنيه، وكان قد ذكر أن يستخلف ابنه عبد الله بعده، ثم غفل عن ذلك وتركه، فحمل عبد الله الحرص والطيش إلى أن دس على أبيه بعض الجواري المتمكنات منه بسمه، وبذل لها على ذلك الأموال، ومناها أماني الغرور. فلما سمته، ووصل إليه السم، عرف المهدي أنه قد قتل، فدعا كاتبه فقال له: عجل واكتب عهد هارون الرشيد، وخذ بيعة الجند، وأمراء الأجناد، واكتب بذلك إلى ولاة الأمصار، وكان الرشيد أصغر بنيه، وكان ابن أمة، لا يطمع في خلافة، ولا يظن بها، فأدخله على نفسه وهو يجود بها، والرشيد لا يعلم أنه مستخلف. فقال له المهدي: أي بني، والله ما أردت استخلافك، ولا هممت به لحداثة سنك، وقد كان قال لي جدك أبو جعفر، وأنت يومئذ قد ترعرعت في أول رؤية رآك: إن ابني هذا الأعين (1) سيلي هذا الأمر، ويسير فيه سيرة صالحة، فقلت: يا أبت، أتظن ذلك؟ قال: ما هو بالظن، ولكن اليقين، ويكون ملكا بضعا وعشرين سنة، وتقتله الحمى الربع (2)، فاندفع الرشيد باكيا فقال له: ما يبكيك يا فتى؟
قال: يا أبت، إنك والله نعيت لي نفسي، وعرفتني متى أموت، ومم أموت؟ قال: هو ذاك، فشمر، واجتهد وجد، وخذ بالحزم والكرم، ودع الإحن، وانظر أخاك عبد الله فلا يناله منك مكروه، فقد عفوت عنه. فقال الرشيد: يا أبت، وتعفو عنه، وقد أتى ما ذكرت،