عليه، ومثلت بين يديه، عرف الذعر في تجريض (1) ريقي، والتمايد (2) في طريقي، وشخوصي إلى السيف المشهور ببصرى. فقال هارون: إيها يا سهل، من غمط نعمتي، واعتدى وصيتي، وجانب موافقتي أعجلته عقوبتي. فوالله ما وجدت جوابها حتى قال: ليفرخ روعك (3)، وليسكن جأشك، ولتطب نفسك، ولتطمئن حواسك. فإن الحاجة إليك قربت منك، وأبقت عليك بما يبسط منقبضك، ويطلق معقولك (4)، فاقتصر على الإشارة قبل اللسان، فإنه الحاكم الفاصل، والحسام الناصل، وأشار إلى مصرع جعفر وهو يقول:
من لم يؤد به الجميل * ففي عقوبته صلاحه قال سهل: فوالله ما أعلمني أني عييت بجواب أحد قط غير جواب الرشيد يومئذ، فما عولت في شكره والثناء عليه، إلا على تقبيل يديه، وباطن رجليه. ثم قال لي: اذهب فقد أحللتك محل يحيى بن خالد، ووهبتك ما ضمته أبنيته، وحوى سرادقه، فاقبض الدواوين، وأحص جباءه، وجباء جعفر لنأمرك بقبضه إن شاء الله. قال سهل: فكنت كمن نشر عن كفن وأخرج من حبس، فأحصيت جباءهما فوجدت عشرين ألف ألف دينار، ثم قفل إلى بغداد راجعا، وفرق البرد إلى الأمصار بقبض أموالهم وغلاتهم، وأمر بجيفة جعفر، فنصبت مفصلة على ثلاثة جذوع، رأسه في جذع على رأس الجسر مستقبل الفرات، وبعض جسده في جذع آخر في آخر الجسر الأول وأول الجسر الثاني، مما يلي بغداد، قال سهل:
فلما دنونا من بغداد، طلع الجسر الذي فيه وجه جعفر لنا أولا، واستقبلنا وجهه، واستقبلته الشمس، فوالله لخلتها تطلع من بين حاجبيه، وأنا عن يمينه، وعبد الملك بن الفضل عن يساره. فلما نظر إليه الرشيد، كأنه قنئ شعره، وطلى بنور بشره، وأربد وجهه، وأغضى بصره قال عبد الملك بن الفضل: لقد عظم ذنب لم يسعه عفو أمير المؤمنين. فقال الرشيد، واغرورقت عيناه حتى لعرفنا الجهش في صدره: من يرد غير مائه يصدر بمثل دائه، ومن أراد فهم ذنبه يوشك أن يقوم على مثل راحلته. علي بالنضاحات. قال سهل: فنضح عليها حتى احترقت عن آخرها، وهو يقول: أما والله لئن ذهب أثرك، لقد بقي خبرك،