الامامة والسياسة - ابن قتيبة الدينوري ، تحقيق الزيني - ج ٢ - الصفحة ١٦٨
عليه، ومثلت بين يديه، عرف الذعر في تجريض (1) ريقي، والتمايد (2) في طريقي، وشخوصي إلى السيف المشهور ببصرى. فقال هارون: إيها يا سهل، من غمط نعمتي، واعتدى وصيتي، وجانب موافقتي أعجلته عقوبتي. فوالله ما وجدت جوابها حتى قال: ليفرخ روعك (3)، وليسكن جأشك، ولتطب نفسك، ولتطمئن حواسك. فإن الحاجة إليك قربت منك، وأبقت عليك بما يبسط منقبضك، ويطلق معقولك (4)، فاقتصر على الإشارة قبل اللسان، فإنه الحاكم الفاصل، والحسام الناصل، وأشار إلى مصرع جعفر وهو يقول:
من لم يؤد به الجميل * ففي عقوبته صلاحه قال سهل: فوالله ما أعلمني أني عييت بجواب أحد قط غير جواب الرشيد يومئذ، فما عولت في شكره والثناء عليه، إلا على تقبيل يديه، وباطن رجليه. ثم قال لي: اذهب فقد أحللتك محل يحيى بن خالد، ووهبتك ما ضمته أبنيته، وحوى سرادقه، فاقبض الدواوين، وأحص جباءه، وجباء جعفر لنأمرك بقبضه إن شاء الله. قال سهل: فكنت كمن نشر عن كفن وأخرج من حبس، فأحصيت جباءهما فوجدت عشرين ألف ألف دينار، ثم قفل إلى بغداد راجعا، وفرق البرد إلى الأمصار بقبض أموالهم وغلاتهم، وأمر بجيفة جعفر، فنصبت مفصلة على ثلاثة جذوع، رأسه في جذع على رأس الجسر مستقبل الفرات، وبعض جسده في جذع آخر في آخر الجسر الأول وأول الجسر الثاني، مما يلي بغداد، قال سهل:
فلما دنونا من بغداد، طلع الجسر الذي فيه وجه جعفر لنا أولا، واستقبلنا وجهه، واستقبلته الشمس، فوالله لخلتها تطلع من بين حاجبيه، وأنا عن يمينه، وعبد الملك بن الفضل عن يساره. فلما نظر إليه الرشيد، كأنه قنئ شعره، وطلى بنور بشره، وأربد وجهه، وأغضى بصره قال عبد الملك بن الفضل: لقد عظم ذنب لم يسعه عفو أمير المؤمنين. فقال الرشيد، واغرورقت عيناه حتى لعرفنا الجهش في صدره: من يرد غير مائه يصدر بمثل دائه، ومن أراد فهم ذنبه يوشك أن يقوم على مثل راحلته. علي بالنضاحات. قال سهل: فنضح عليها حتى احترقت عن آخرها، وهو يقول: أما والله لئن ذهب أثرك، لقد بقي خبرك،

(1) تجريض الريق: ذهاب مائه وجفاف الحلق.
(2) التمايد: التمايل وعدم الثبات.
(3) الروع: الخوف وإفراخه: ذهابه، أي لتهدأ وتطمئن ويذهب خوفك.
(4) المعقول: المقيد، أي إني سأعطيك ما منع عنك حتى تكون حرا طليقا في كل ما تبغى وتريد.
(١٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ذكر اختلاف الرواة في وقعة الحرة وخبر يزيد 3
2 ولاية الوليد المدينة وخروج الحسين بن علي 4
3 قتال عمرو بن سعيد الحسين وقتله 5
4 قدوم من أسر من آل علي على يزيد 6
5 إخراج بني أمية عن المدينة، وذكر قتال أهل الحرة 7
6 حرب ابن الزبير رضي الله عنهما 9
7 خلاف معاوية بن يزيد 10
8 غلبة ابن الزبير رضي الله عنهما وظهوره 11
9 حريق الكعبة - اختلاف أهل الشام على ابن الزبير 12
10 بيعة أهل الشام مروان بن الحكم - موت مروان بن الحكم 13
11 بيعة عبد الملك بن مروان وولايته 14
12 غلبة ابن الزبير على العراقيين وبيعتهم 15
13 بيعة أهل الكوفة لابن الزبير وخروج ابن زياد عنهما 16
14 قتال المختار عمرو بن سعد 19
15 قتل مصعب بن الزبير المختار بن أبي عبيد الله - خلع ابن الزبير 20
16 قتل عبد الملك عمرو بن سعيد 21
17 مسير عبد الملك إلى العراق 22
18 قتل مصعب بن الزبير - ذكر حرب ابن الزبير وقتله 23
19 ولاية الحجاج على العراقيين 25
20 خروج ابن الأشعث على الحجاج 26
21 حرب الحجاج مع ابن الأشعث وقتله 29
22 أسر عامر بن سعيد الشعبي 39
23 انهزام ابن الأشعث وقيام عبد الرحمن بن عياش 41
24 ذكر قتل سعيد بن جبير 42
25 ذكر بيعة الوليد وسليمان بن عبد الملك 44
26 موت عبد الملك وبيعة الوليد 46
27 تولية موسى بن نصير البصرة 48
28 دخول موسى بن نصير على عبد الملك بن مروان - تولية موسى بن نصير على إفريقية 49
29 خطبة موسى بن نصير رحمه الله - دخول موسى بن نصير إفريقية 50
30 خطبة موسى بإفريقية 51
31 فتح زعوان - قدوم كتاب الفتح على عبد العزيز بن مروان - إنكار عبد الملك تولية موسى بن نصير 52
32 جوابه - كتاب عبد العزيز بالفتح إلى عبد الملك - جوابه 53
33 فتح هوارة وزناته وكتامة - فتح صنهاجة 54
34 فتح سجوما 55
35 قدوم الفتح على عبد الملك بن مروان 56
36 غزوة موسى في البحر 57
37 غزوة السوس الأقصى 58
38 قدوم الفتوحات على الوليد بن عبد الملك - فتح قلعة أرساف 59
39 فتح الأندلس 60
40 اتهام الوليد موسى بالخلع - دخول وفد موسى على الوليد بن عبد الملك 62
41 ذكر ما وجد موسى في البيت الذي وجد فيه المائدة مع صور العرب - ذكر ما أفاء الله عليهم 63
42 غزوة موسى بن نصير البشكنس والإفرنج 64
43 خروج موسى بن نصير من الأندلس - قدوم موسى إفريقية 66
44 قدوم موسى إلى مصر - قدوم موسى على الوليد رحمهما الله 68
45 خلافة سليمان بن عبد الملك وما صنع بموسى بن نصير 69
46 عدة موالي موسى بن نصير 70
47 ذكر ما رآه موسى بالمغرب من العجائب 71
48 تولية سليمان بن عبد الملك أخاه مسلمة وما أشار به موسى عليه 72
49 سؤال سليمان موسى عن المغرب 73
50 ذكر قدوم موسى على الوليد 74
51 ذكر اختلاف الناقلين في صنع سليمان بموسى 77
52 نسخة القضية 77
53 ذكر يد موسى إلى المهلب 78
54 ذكر قتل عبد العزيز بن موسى بالأندلس 79
55 قدوم رأس عبد العزيز بن موسى عن أخباره وأفعاله 83
56 ذكر ولاة الأندلس بعد موسى بن نصير - ذكر حج سليمان مع عمر بن عبد العزيز 86
57 ما قال طاووس اليماني لسليمان بمكة 87
58 ذكر وفاة سليمان واستخلافه عمر بن عبد العزيز 92
59 أيام عمر بن عبد العزيز 96
60 ذكر قدوم جرير بن الخطفى على عمر بن عبد العزيز 97
61 وفاة الرشيد والمأمون خارج العراق - اتصال أشرار العراق بالأمين وإيغار صدره على أخيه الأمين 174
62 دخول المأمون قصر الخلافة وحبسه أخاه الأمين - هروب الأمين من السجن وقتله - تمام الكتاب 175