ما أعلم أحدا أحق بالقتل منه. فقال أبو جعفر: اسكت يا أنوك (1)، فوالله ما بقي على الأرض أحد اليوم يستحيا منه غير هذا، ومالك بن أنس.
دخول ابن أبي ذؤيب ومالك بن أنس وابن سمعان على أبي جعفر قال: وذكروا عن مالك بن أنس قال: لما ولي أبو جعفر الخلافة، وافى إليه الملاقون (2) المشاءون بالنميمة عني بكلام كان قد حفظ علي، فأتاني رسوله ليلا ونحن بمنى، قال: أجب أمير المؤمنين، وذلك بعد مفارقتي له، وخروجي عنه، فلم أشك أنه للقتل، ففرغت من عهدي (3)، واغتسلت وتوضأت ولبست ثياب كفني وتحنطت، ثم نهضت فدخلت عليه في السرادق، وهو قاعد على فراش قد نظم بالدر الأبيض، والياقوت الأحمر، والزمرد الأخضر، حكى له أنه كان من فرش هشام بن عبد الملك كان قد أهداه إليه صاحب القسطنطينية، لا يعلم ثمنه، ولا يدرى ما قيمته، والشمع يحترق بين يديه، وابن أبي ذؤيب وابن سمعان قاعدان بين يديه، وهو ينظر في صحيفة في يده. فلما صرت بين يديه سلمت، فرفع رأسه، فنظر إلي، وتبسم تبسم المغضب، ثم رمى بالصحيفة، وأشار لي إلى موضع عن يمينه أقعد فيه. فلما قعدت وأخذت مقعدي، وسكن روعى، رفعت رأسي أنظر تلقائي، فإذا أنا بواقف عليه درع، وبيده سيف قد شهره، يلمع له ما حوله، فالتفت عن يميني، فإذا أنا بواقف بيده جرز (4) من حديد، ثم التفت عن يساري فإذا أنا بواقف عليه درع، وبيده سيف قد شهره، وهم أجمعون قد أصغوا إليه، ورمقوه بأبصارهم خوفا من أن يأمر في أحد أمرا فيجده غافلا. ثم التفت إلينا وقال: أما بعد معشر الفقهاء، فقد بلغ أمير المؤمنين عنكم ما أخشن صدره، وضاق به ذرعه وكنتم أحق الناس بالكف من ألسنتكم، والأخذ بما يشبهكم، وأولى الناس بلزوم الطاعة، والمناصحة في السر والعلانية لمن استخلفه الله عليكم. قال مالك: فقلت يا أمير المؤمنين، قال الله تعالى: - يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين.
فقال أبو جعفر: على ذلكم أي الرجال أنا عندكم؟ أمن أئمة العدل، أم من أئمة الجور؟ فقال مالك: فقلت يا أمير المؤمنين، أنا متوسل إليك بالله تعالى، وأتشفع إليك بمحمد صلى الله عليه وسلم