الامامة والسياسة - ابن قتيبة الدينوري ، تحقيق الزيني - ج ٢ - الصفحة ١٥٠
مالك: فحمدت الله تعالى على كل حال، وصليت على الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم نزهته عن الأمر بذلك، والرضا به. ثم قال: يا أبا عبد الله، لا يزال أهل الحرمين بخير ما كنت بين أظهرهم، وإني إخالك أمانا لهم من عذاب الله وسطوته، ولقد دفع الله بك عنهم وقعة عظيمة، فإنهم ما علمت أسرع الناس إلى الفتن، وأضعفهم عنها، قاتلهم الله أنى يؤفكون، وقد أمرت أن يؤتى بعدو الله من المدينة على قتب، وأمرت بضيق مجلسه، والمبالغة في امتهانه، ولا بد أن أنزل به من العقوبة أضعاف ما نالك منه. فقلت له: عافى الله أمير المؤمنين، وأكرم مثواه، قد عفوت عنه، لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم منك. قال أبو جعفر:
وأنت فعفى الله عنك ووصلك. قال مالك. ثم فاتحني فيمن مضى من السلف والعلماء، فوجدته أعلم الناس بالناس، ثم فاتحني في العلم والفقه، فوجدته أعلم الناس بما اجتمعوا عليه، وأعرفهم بما اختلفوا فيه، حافظا لما روى، واعيا لما سمع، ثم قال لي: يا أبا عبد الله ضع هذا العلم ودونه، ودون منه كتبا، وتجنب شدائد عبد الله بن عمر ورخص عبد الله بن عباس، وشواذ ابن مسعود، واقصد إلى أواسط الأمور، وما اجتمع عليه الأئمة والصحابة رضي الله عنهم، لنحمل الناس إن شاء الله على علمك وكتبك، ونبثها في الأمصار، ونعهد إليهم أن لا يخالفوها، ولا يقضوا بسواها، فقلت له: أصلح الله الأمير، إن أهل العراق لا يرضون علمنا، ولا يرون في عملهم رأينا. فقال أبو جعفر: يحملون عليه، ونضرب عليه هاماتهم بالسيف، ونقطع طي ظهورهم بالسياط، فتعجل بذلك وضعها، فسيأتيك محمد المهدي ابني العام القابل إن شاء الله إلى المدينة، ليسمعها منك، فيجدك وقد فرغت من ذلك إن شاء الله. قال مالك: فبينما نحن قعود إذ طلع بني له صغير من قبة، بظهر القبة التي كنا فيها. فلما نظر إلي الصبي فزع، ثم تقهقر فلم يتقدم. فقال له أبو جعفر: تقدم يا حبيبي، إنما هو أبو عبد الله فقيه أهل الحجاز، ثم التفت إلي فقال: يا أبا عبد الله، أتدري لم فزع الصبي ولم يتقدم؟ فقلت: لا. فقال:
والله استنكر قرب مجلسك مني إذ لم ير به أحدا غيرك قط، فلذلك قهقر. قال مالك: ثم أمر لي بألف دينار عينا ذهبا، وكسوة عظيمة، وأمر لابني بألف دينار، ثم استأذنته فأذن لي، فقمت فودعني ودعا لي، ثم مشيت منطلقا، فلحقني الخصي بالكسوة فوضعها على منكبي، وكذلك يفعلون بمن كسوه، وإن عظم قدره، فيخرج بالكسوة على الناس فيحملها، ثم يسلمها إلى غلامه، فلما وضع الخصي الكسوة على منكبي انحنيت عنها بمنكبي، كراهة احتمالها، وتبرؤا من ذلك، فناداه أبو جعفر: بلغها رحل أبي عبد الله.
(١٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ذكر اختلاف الرواة في وقعة الحرة وخبر يزيد 3
2 ولاية الوليد المدينة وخروج الحسين بن علي 4
3 قتال عمرو بن سعيد الحسين وقتله 5
4 قدوم من أسر من آل علي على يزيد 6
5 إخراج بني أمية عن المدينة، وذكر قتال أهل الحرة 7
6 حرب ابن الزبير رضي الله عنهما 9
7 خلاف معاوية بن يزيد 10
8 غلبة ابن الزبير رضي الله عنهما وظهوره 11
9 حريق الكعبة - اختلاف أهل الشام على ابن الزبير 12
10 بيعة أهل الشام مروان بن الحكم - موت مروان بن الحكم 13
11 بيعة عبد الملك بن مروان وولايته 14
12 غلبة ابن الزبير على العراقيين وبيعتهم 15
13 بيعة أهل الكوفة لابن الزبير وخروج ابن زياد عنهما 16
14 قتال المختار عمرو بن سعد 19
15 قتل مصعب بن الزبير المختار بن أبي عبيد الله - خلع ابن الزبير 20
16 قتل عبد الملك عمرو بن سعيد 21
17 مسير عبد الملك إلى العراق 22
18 قتل مصعب بن الزبير - ذكر حرب ابن الزبير وقتله 23
19 ولاية الحجاج على العراقيين 25
20 خروج ابن الأشعث على الحجاج 26
21 حرب الحجاج مع ابن الأشعث وقتله 29
22 أسر عامر بن سعيد الشعبي 39
23 انهزام ابن الأشعث وقيام عبد الرحمن بن عياش 41
24 ذكر قتل سعيد بن جبير 42
25 ذكر بيعة الوليد وسليمان بن عبد الملك 44
26 موت عبد الملك وبيعة الوليد 46
27 تولية موسى بن نصير البصرة 48
28 دخول موسى بن نصير على عبد الملك بن مروان - تولية موسى بن نصير على إفريقية 49
29 خطبة موسى بن نصير رحمه الله - دخول موسى بن نصير إفريقية 50
30 خطبة موسى بإفريقية 51
31 فتح زعوان - قدوم كتاب الفتح على عبد العزيز بن مروان - إنكار عبد الملك تولية موسى بن نصير 52
32 جوابه - كتاب عبد العزيز بالفتح إلى عبد الملك - جوابه 53
33 فتح هوارة وزناته وكتامة - فتح صنهاجة 54
34 فتح سجوما 55
35 قدوم الفتح على عبد الملك بن مروان 56
36 غزوة موسى في البحر 57
37 غزوة السوس الأقصى 58
38 قدوم الفتوحات على الوليد بن عبد الملك - فتح قلعة أرساف 59
39 فتح الأندلس 60
40 اتهام الوليد موسى بالخلع - دخول وفد موسى على الوليد بن عبد الملك 62
41 ذكر ما وجد موسى في البيت الذي وجد فيه المائدة مع صور العرب - ذكر ما أفاء الله عليهم 63
42 غزوة موسى بن نصير البشكنس والإفرنج 64
43 خروج موسى بن نصير من الأندلس - قدوم موسى إفريقية 66
44 قدوم موسى إلى مصر - قدوم موسى على الوليد رحمهما الله 68
45 خلافة سليمان بن عبد الملك وما صنع بموسى بن نصير 69
46 عدة موالي موسى بن نصير 70
47 ذكر ما رآه موسى بالمغرب من العجائب 71
48 تولية سليمان بن عبد الملك أخاه مسلمة وما أشار به موسى عليه 72
49 سؤال سليمان موسى عن المغرب 73
50 ذكر قدوم موسى على الوليد 74
51 ذكر اختلاف الناقلين في صنع سليمان بموسى 77
52 نسخة القضية 77
53 ذكر يد موسى إلى المهلب 78
54 ذكر قتل عبد العزيز بن موسى بالأندلس 79
55 قدوم رأس عبد العزيز بن موسى عن أخباره وأفعاله 83
56 ذكر ولاة الأندلس بعد موسى بن نصير - ذكر حج سليمان مع عمر بن عبد العزيز 86
57 ما قال طاووس اليماني لسليمان بمكة 87
58 ذكر وفاة سليمان واستخلافه عمر بن عبد العزيز 92
59 أيام عمر بن عبد العزيز 96
60 ذكر قدوم جرير بن الخطفى على عمر بن عبد العزيز 97
61 وفاة الرشيد والمأمون خارج العراق - اتصال أشرار العراق بالأمين وإيغار صدره على أخيه الأمين 174
62 دخول المأمون قصر الخلافة وحبسه أخاه الأمين - هروب الأمين من السجن وقتله - تمام الكتاب 175