ذلك عليك. وكان ابن هبيرة إذا ركب إلى أبي جعفر، ركب في ثلاث مئة فارس، وخمس مئة راجل، فقدم يزيد بن حاتم على أبي جعفر، فقال: أصلح الله الأمير، ما ذهب من سلطان ابن هبيرة شئ، يأتينا فيتضعضع (1) به العسكر. فقال أبو جعفر، يا سلام قل لابن هبيرة لا يركب في مثل تلك الجماعة، وليأتينا في حاشيته. قال عدي: فأصبحنا، فخرج ابن هبيرة أيضا في مثل تلك الجماعة الذين كانوا يركبون معه، فخرج إليه سلام فقال: يقول لك الأمير ما هذه الجماعة؟ لا تسيرن إلا في حاشيتك، فتغير وجه ابن هبيرة. فلما أصبح أتى في نحو من ثلاثين رجلا قال له سلام: كأنك إنما تأتينا مباهيا. فقال ابن هبيرة: إن أحببتم أن نمشي إليكم فعلنا.
فقال سلام: ما نريد بذلك استخفافا بك، ولكن أهل العسكر إذا رأوا جماعة من معك غمهم ذلك، فكان هذا من الأمير نظرا لك، فمكث طويلا جالسا في الرواق. فقيل له: إن الأمير يحتجم، فانصرف راشدا، فلم يزل يركب يوما ويقيم آخر، لا يجئ إلا في رجلين أو غلامه، وقد ختموا على الخزائن وبيوت الأموال، وجعل القواد يدخلون على أبي جعفر فيقولون:
ما تنتظر به؟ فيقول: ما أريد إلا الوفاء له حتى إذا اجتمع أمرهم على قتلته، بعث إلى الحسين بن قحطبة فأتاه. فقال: لو سرت إلى هذا الرجل فأرحتنا منه. فقال: لا نريد ذلك، ولكن ابعث إليه رجلا من قومه من مضر حتى يقتله، فتتفرق كلمتهم عند ذلك، فدعا حازم بن خزيمة، والهيثم بن شعبة. قال لهم أبو جعفر: ائتوا إلى ابن هبيرة فجددوا على بيوت المال الختم، وعلى الخزائن، وبعث معهما من المضرية والقيسية أن يحضروا الإذن، وأريحونا من الرجل، ففعلوا، ثم دخلوا رحبة القصر في مئة رجل، فأرسلوا إلى ابن هبيرة: إنا نريد حمل ما بقي في الخزائن. فقال: ادخلوا، فدخلوا الخزائن فطافوا بها ساعة، وجعلوا يخلفون عند كل باب عدة حتى دخلوا عليه. فقالوا: أرسل معنا من يدلنا على المواضع وبيوت الأموال. فقال: يا عثمان أرسل معهم من يريدون، فطاف حازم وأصحابه في القصر ساعة، وابن هبيرة عليه قميص له مصرى، وملاءة موردة، وهو مسند ظهره إلى حائط المسجد في رحبة القصر، ومعه ابن داود، وحاجبه، وكاتبه عمر بن أيوب، وعدة من مواليه وبنيه، وفي حجر ابن هبيرة ولد صغير. فلما توثقوا من كل شئ أقبلوا نحوه، فلما رآهم قد أقبلوا إليه قال: والله إن في وجوه القوم لشرا. فلما دنوا منه قام أبو عثمان فقال: ما وراءكم؟ فنضحه الهيثم بالسيف، فأصاب حبل عاتقه، فصرعه، وقام ابنه داود فقاتل، فتفرقوا عليه فقتلوه ومواليه، ثم مضوا نحو ابن هبيرة فخر ساجدا، وقال: