التي كانت في ظهره قد وجدت في كتب الحدثان (1)، وكانت العلامة خالا أسود عظيما مرتفعا على الظهر هابطا، فلما نظر إليه الرجل قال له: النجاء النجاء، والهرب الهرب، فإنك والله صاحب الأمر، فاخرج فإنا معك، ومالي لك، ولي عشرون ألف دينار مصرورة، كنت أعددتها لهذا الوقت. فقال له عبد الرحمن: وعمن أخذت هذا العلم؟ فقال الرجل: من عمك مسلمة بن عبد الملك. فقال له عبد الرحمن: ذكرت والله عالما بهذا الأمر، أما لئن قلت ذلك لقد وقفت بين يديه وأنا غلام، يوم توفي أبي معاوية، وهشام يومئذ خليفة، فكشفت عن ظهري، فنظر إلى ما نظرت إليه. فقال لهشام جدي وهو يبكي: هذا اليتيم يا أمير المؤمنين صاحب ملك المغرب. فقال له هشام: وما الذي أبكاك يا أبا سعيد؟ ألهذا تبكي؟ فقال: أبكي والله على نساء بني أمية وصبيانهم، كأني بهم والله قد أبدلوا بعد أساورة الذهب والفضة الأغلال والحديد، وبعد الطيب والدهن البقل والعقار، وبعد العز الذل والصغار. فقال هشام: أحان زوال ملك بني أمية يا أبا سعيد؟ فقال مسلمة: إي والله حان، وإن هذا الغلام يعمر منهم، ثم يصير إلى المغرب فيملكها: فقال له الرجل: فاقبض مني هذا المال، واخرج بمن تثق به من غلمانك.
فقال عبد الرحمن: والله إن هذا الوقت ما يوثق فيه بأحد، فولى ذاهبا، وخرج لا يدرى متى خرج، فلحق بالمغرب، وأقبل القوم من بني أمية، وقد أعد لهم السفاح مجلسا فيه أضعافهم من الرجال، ومعهم السيوف والأجرزة (2)، فأخرجهم عليهم، فقتلهم وأخذ أموالهم، واستعفى (3) عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك، وكان عبد الواحد قد بذ العابدين في زمانه، وسبق المجتهدين في عصره، فركب السفاح إلى أموال عبد الواحد، وكان عبد الواحد قد اتخذ أموالا معجبة، تطرد فيها المياه والعيون، فأمره السفاح أن يصيرها إليه، فأبى عليه، واختفى منه، فأخذ رجالا من أهله، فتواعدهم السفاح، وأمر بحبسهم حتى دلوه عليه. فلما قبضه أمر بقتله، ثم استقصى ماله، فبلغ ذلك أبا العباس أمير المؤمنين، وكان أبو العباس يعرفه قبل ذلك، وكان عبد الواحد أفضل قرشي كان في زمانه عبادة وفضلا. فقال أبو العباس: رحم الله عبد الواحد، ما كان والله ممن يقتل لغائلة (4)، ولا ممن يشار إليه بفاحشة، وما قتلته إلا أمواله، ولولا أن السفاح عمي، وذمامه ورعاية حقه علي واجب، لأقدت منه (4)، ولكن