الامامة والسياسة - ابن قتيبة الدينوري ، تحقيق الزيني - ج ٢ - الصفحة ١٢٢
التي كانت في ظهره قد وجدت في كتب الحدثان (1)، وكانت العلامة خالا أسود عظيما مرتفعا على الظهر هابطا، فلما نظر إليه الرجل قال له: النجاء النجاء، والهرب الهرب، فإنك والله صاحب الأمر، فاخرج فإنا معك، ومالي لك، ولي عشرون ألف دينار مصرورة، كنت أعددتها لهذا الوقت. فقال له عبد الرحمن: وعمن أخذت هذا العلم؟ فقال الرجل: من عمك مسلمة بن عبد الملك. فقال له عبد الرحمن: ذكرت والله عالما بهذا الأمر، أما لئن قلت ذلك لقد وقفت بين يديه وأنا غلام، يوم توفي أبي معاوية، وهشام يومئذ خليفة، فكشفت عن ظهري، فنظر إلى ما نظرت إليه. فقال لهشام جدي وهو يبكي: هذا اليتيم يا أمير المؤمنين صاحب ملك المغرب. فقال له هشام: وما الذي أبكاك يا أبا سعيد؟ ألهذا تبكي؟ فقال: أبكي والله على نساء بني أمية وصبيانهم، كأني بهم والله قد أبدلوا بعد أساورة الذهب والفضة الأغلال والحديد، وبعد الطيب والدهن البقل والعقار، وبعد العز الذل والصغار. فقال هشام: أحان زوال ملك بني أمية يا أبا سعيد؟ فقال مسلمة: إي والله حان، وإن هذا الغلام يعمر منهم، ثم يصير إلى المغرب فيملكها: فقال له الرجل: فاقبض مني هذا المال، واخرج بمن تثق به من غلمانك.
فقال عبد الرحمن: والله إن هذا الوقت ما يوثق فيه بأحد، فولى ذاهبا، وخرج لا يدرى متى خرج، فلحق بالمغرب، وأقبل القوم من بني أمية، وقد أعد لهم السفاح مجلسا فيه أضعافهم من الرجال، ومعهم السيوف والأجرزة (2)، فأخرجهم عليهم، فقتلهم وأخذ أموالهم، واستعفى (3) عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك، وكان عبد الواحد قد بذ العابدين في زمانه، وسبق المجتهدين في عصره، فركب السفاح إلى أموال عبد الواحد، وكان عبد الواحد قد اتخذ أموالا معجبة، تطرد فيها المياه والعيون، فأمره السفاح أن يصيرها إليه، فأبى عليه، واختفى منه، فأخذ رجالا من أهله، فتواعدهم السفاح، وأمر بحبسهم حتى دلوه عليه. فلما قبضه أمر بقتله، ثم استقصى ماله، فبلغ ذلك أبا العباس أمير المؤمنين، وكان أبو العباس يعرفه قبل ذلك، وكان عبد الواحد أفضل قرشي كان في زمانه عبادة وفضلا. فقال أبو العباس: رحم الله عبد الواحد، ما كان والله ممن يقتل لغائلة (4)، ولا ممن يشار إليه بفاحشة، وما قتلته إلا أمواله، ولولا أن السفاح عمي، وذمامه ورعاية حقه علي واجب، لأقدت منه (4)، ولكن

(1) كتب الحدثان: كتب التنجيم والأخبار بالمستقبل.
(2) الأجرزه: جمع جرز: بضم الجيم وسكون الراء وهو عمود الحديد.
(3) استعفى عبد الواحد: تركه فلم يقتله.
(4) الغائلة: الداهية، والقتل غدرا وهو المراد هنا.
(5) لأقدت منه: لأخذت منه القود وهو القصاص أي لقتلته قصاصا بقتله عبد الواحد.
(١٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ذكر اختلاف الرواة في وقعة الحرة وخبر يزيد 3
2 ولاية الوليد المدينة وخروج الحسين بن علي 4
3 قتال عمرو بن سعيد الحسين وقتله 5
4 قدوم من أسر من آل علي على يزيد 6
5 إخراج بني أمية عن المدينة، وذكر قتال أهل الحرة 7
6 حرب ابن الزبير رضي الله عنهما 9
7 خلاف معاوية بن يزيد 10
8 غلبة ابن الزبير رضي الله عنهما وظهوره 11
9 حريق الكعبة - اختلاف أهل الشام على ابن الزبير 12
10 بيعة أهل الشام مروان بن الحكم - موت مروان بن الحكم 13
11 بيعة عبد الملك بن مروان وولايته 14
12 غلبة ابن الزبير على العراقيين وبيعتهم 15
13 بيعة أهل الكوفة لابن الزبير وخروج ابن زياد عنهما 16
14 قتال المختار عمرو بن سعد 19
15 قتل مصعب بن الزبير المختار بن أبي عبيد الله - خلع ابن الزبير 20
16 قتل عبد الملك عمرو بن سعيد 21
17 مسير عبد الملك إلى العراق 22
18 قتل مصعب بن الزبير - ذكر حرب ابن الزبير وقتله 23
19 ولاية الحجاج على العراقيين 25
20 خروج ابن الأشعث على الحجاج 26
21 حرب الحجاج مع ابن الأشعث وقتله 29
22 أسر عامر بن سعيد الشعبي 39
23 انهزام ابن الأشعث وقيام عبد الرحمن بن عياش 41
24 ذكر قتل سعيد بن جبير 42
25 ذكر بيعة الوليد وسليمان بن عبد الملك 44
26 موت عبد الملك وبيعة الوليد 46
27 تولية موسى بن نصير البصرة 48
28 دخول موسى بن نصير على عبد الملك بن مروان - تولية موسى بن نصير على إفريقية 49
29 خطبة موسى بن نصير رحمه الله - دخول موسى بن نصير إفريقية 50
30 خطبة موسى بإفريقية 51
31 فتح زعوان - قدوم كتاب الفتح على عبد العزيز بن مروان - إنكار عبد الملك تولية موسى بن نصير 52
32 جوابه - كتاب عبد العزيز بالفتح إلى عبد الملك - جوابه 53
33 فتح هوارة وزناته وكتامة - فتح صنهاجة 54
34 فتح سجوما 55
35 قدوم الفتح على عبد الملك بن مروان 56
36 غزوة موسى في البحر 57
37 غزوة السوس الأقصى 58
38 قدوم الفتوحات على الوليد بن عبد الملك - فتح قلعة أرساف 59
39 فتح الأندلس 60
40 اتهام الوليد موسى بالخلع - دخول وفد موسى على الوليد بن عبد الملك 62
41 ذكر ما وجد موسى في البيت الذي وجد فيه المائدة مع صور العرب - ذكر ما أفاء الله عليهم 63
42 غزوة موسى بن نصير البشكنس والإفرنج 64
43 خروج موسى بن نصير من الأندلس - قدوم موسى إفريقية 66
44 قدوم موسى إلى مصر - قدوم موسى على الوليد رحمهما الله 68
45 خلافة سليمان بن عبد الملك وما صنع بموسى بن نصير 69
46 عدة موالي موسى بن نصير 70
47 ذكر ما رآه موسى بالمغرب من العجائب 71
48 تولية سليمان بن عبد الملك أخاه مسلمة وما أشار به موسى عليه 72
49 سؤال سليمان موسى عن المغرب 73
50 ذكر قدوم موسى على الوليد 74
51 ذكر اختلاف الناقلين في صنع سليمان بموسى 77
52 نسخة القضية 77
53 ذكر يد موسى إلى المهلب 78
54 ذكر قتل عبد العزيز بن موسى بالأندلس 79
55 قدوم رأس عبد العزيز بن موسى عن أخباره وأفعاله 83
56 ذكر ولاة الأندلس بعد موسى بن نصير - ذكر حج سليمان مع عمر بن عبد العزيز 86
57 ما قال طاووس اليماني لسليمان بمكة 87
58 ذكر وفاة سليمان واستخلافه عمر بن عبد العزيز 92
59 أيام عمر بن عبد العزيز 96
60 ذكر قدوم جرير بن الخطفى على عمر بن عبد العزيز 97
61 وفاة الرشيد والمأمون خارج العراق - اتصال أشرار العراق بالأمين وإيغار صدره على أخيه الأمين 174
62 دخول المأمون قصر الخلافة وحبسه أخاه الأمين - هروب الأمين من السجن وقتله - تمام الكتاب 175