رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر، وشأن السقيفة، وما جرى فيها من القول، والتنازع بين المهاجرين والأنصار وبعضهم يزيد على بعض في الكلام، فجمعت ذلك وألفته على معنى حديثهم، ومجاز لغتهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في مرضه الذي قبض فيه، متوكئا على الفضل بن العباس رضي عنهما، وغلام يقال له ثوبان رضي الله عنه، ثم رجع صلى الله عليه وسلم فدخل منزله، وقال لغلامه أجلس على الباب ولا تحجب أحدا من الأنصار رضي الله عنهم، فأحدقوا بالباب، وقالوا للغلام ائذن لنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: عنده نساؤه رضي الله تعالى عنهن، فسمع رسول الله صلى عليه وسلم بكاءهم، فقال من هؤلاء؟ فقيل له الأنصار رضي الله عنهم يبكون، فخرج صلى الله عليه وسلم متوكئا على علي والعباس رضي الله عنهما فدخل المسجد واجتمع الناس إليه، فقال صلى الله عليه وسلم: إنه لم يمت نبي قط إلا خلف وراءه تركة وإن تركتي فيكم الأنصار رضي الله عنهم، وهم كرشي (1) التي آوى إليها، وأوصيكم بتقوى الله تعالى، والاحسان إليهم، فقد علمتم أنهم شاطروكم (2) وواسوكم في العسر واليسر نصروكم في النشط والكسل، فاعرفوا لهم حقهم، واقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم.
ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله وهو معصوب الرأس شديد الوجع، فلما كانت الصلاة أتى بلال المؤذن رضي الله عنه يدعو إلى الصلاة، ففتح صلى الله عليه وسلم عينيه، وقال للنساء: ادعون لي حبيبي، فعرفت عائشة رضي الله عنها أنه يريد أبا بكر، فقالت: أرسل إلى عمر، فإن أبا بكر رجل رقيق، وإن قام مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم افتضح من البكاء، وعمر أقوى منه، فأرسلت إلى عمر رضي الله عنه، فأتى فسلم، ففتح رسول الله صلى الله عليه وسلم عينيه، فرد السلام، ثم أطرق عنه، فعرف عمر أنه لم يرده، فلما خرج أقبل صلى الله عليه وسلم عليهن وقال: ادعون لي حبيبي فقالت عائشة رضي الله عنها:
يا رسول الله، إن أبا بكر رجل رقيق، أمرت عمر يصلي بالناس، فقال صلى الله عليه وسلم:
إنكن صواحبات يوسف عليه السلام، ادعون لي حبيبي إنما أفعل ما أومر فدعى أبو بكر رضي الله تعالى عنه.