فليس بعد المهاجرين الأولين أحد عندنا بمنزلتكم، فنحن الأمراء، وأنتم الوزراء، لا نفتات (1) دونكم بمشورة، ولا تنقضي دونكم الأمور.
فقام الحباب بن المنذر بن زيد بن حرام رضي الله عنه، فقال: يا معشر الأنصار: املكوا عليكم أيديكم، فإنما الناس في فيئكم (2) وظلالكم، ولن يجير مجير (3) على خلافكم، ولن يصدر الناس إلا عن رأيكم، أنتم أهل العز والثروة وأولو العدد والنجدة، وإنما ينظر الناس ما تصنعون، فلا تختلفوا، فيفسد عليكم رأيكم، وتقطع أموركم، وأنتم أهل الإيواء والنصرة، وإليكم كانت الهجرة، ولكم في السابقين الأولين مثل ما لهم، وأنتم أصحاب الدار والإيمان من قبلهم، والله ما عبدوا الله علانية إلا في بلادكم، ولا جمعت الصلاة إلا في مساجدكم، ولا دانت العرب للإسلام إلا بأسيافكم، فأنتم أعظم الناس نصيبا في هذا الأمر، وإن أبي القوم، فمنا أمير ومنهم أمير.
فقام عمر رضي الله عنه، فقال: هيهات لا يجتمع سيفان في غمد واحد، إنه والله لا يرضى العرب أن تؤمركم ونبيها من غيركم، ولكن العرب لا ينبغي أن تولى هذا الأمر إلا من كانت النبوة فيهم، وأولو الأمر منهم، لنا بذلك على من خالفنا من العرب الحجة الظاهرة، والسلطان المبين، من ينازعنا سلطان محمد وميراثه، ونحن أولياؤه وعشيرته، إلا مدل بباطل، أو متجانف (4) لإثم، أو متورط في هلكة. فقام الحباب بن المنذر رضي الله عنه، فقال: يا معشر الأنصار:
املكوا على أيديكم، ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه، فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر، فإن أبوا عليكم ما سألتم فاجلوهم عن بلادكم، وتولوا هذا الأمر عليهم، فأنتم والله أولى بهذا الأمر منهم، فإنه دان لهذا الأمر ما لم يكن يدين له بأسيافنا، أما والله إن شئتم لنعيدنها جذعة (5)، والله لا يدر على أحد ما أقول إلا حطمت أنفه بالسيف. قال عمر بن الخطاب: فلما كان الحباب هو الذي يجيبني، لم يكن لي معه كلام، لأنه كان بيني وبينه منازعة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهاني عنه، فحلفت أن لا أكلمه كلمة تسوؤه أبدا. ثم قام أبو عبيدة، فقال: يا معشر الأنصار أنتم أول من نصر وآوى، فلا تكونوا أول من يبدل ويغير.