وعائشة بأوطاس، من أرض خيبر، أقبل عليهم سعيد بن العاصي على نجيب له، فأشرف على الناس، ومعه المغيرة بن شعبة، فنزل وتوكأ على قوس له سوداء، فأتى عائشة، فقال لها: أين تريدين يا أم المؤمنين؟ قالت: أريد البصرة، قال: وما تصنعين بالبصرة؟ قالت: أطلب بدم عثمان. قال: فهؤلاء قتلة عثمان معك. ثم أقبل على مروان فقال له: وأنت أين تريد أيضا؟ قال: البصرة. قال: وما تصنع بها؟ قال: أطلب قتلة عثمان، قال: فهؤلاء قتلة عثمان معك، إن هذين الرجلين قتلا عثمان " طلحة والزبير "، وهما يريدان الأمر لأنفسهما، فلما غلبا عليه قالا: نغسل الدم بالدم، والحوبة (1) بالتوبة. ثم قال المغيرة بن شعبة: أيها الناس، إن كنتم إنما خرجتم مع أمكم، فارجعوا بها خيرا لكم، وإن كنتم غضبتم لعثمان، فرؤساؤكم قتلوا عثمان، وإن كنتم نقمتم على علي شيئا، فبينوا ما نقمتم عليه، أنشدكم الله فتنتين في عام واحد، فأبوا إلا أن يمضوا بالناس، فلحق سعيد ابن العاصي باليمن، ولحق المغيرة بالطائف، فلم يشهد شيئا من حروب الجمل ولا صفين، فلما انتهوا إلى ماء الحوأب (2) في بعض الطريق ومعهم عائشة، نبحها كلاب الحوأب، فقالت لمحمد بن طلحة، أي ماء هذا؟ قال: هذا ماء الحوأب، فقالت: ما أراني إلا راجعة، قال: ولم؟ قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنسائه: كأني بإحداكن قد نبحها كلاب الحوأب، وإياك أن تكوني أنت يا حميراء.
فقال لها محمد بن طلحة: تقدمي رحمك الله، ودعى هذا القول. وأتى عبد الله بن الزبير، فحلف لها بالله لقد خلفته أول الليل، وأتاها ببينة زور من الأعراب، فشهدوا بذلك، فزعموا أنها أول شهادة زور شهد بها في الإسلام، فلما انتهى إقبالهم على أهل البصرة، ودنوا منها، قام عثمان بن حنيف عامل البصرة لعلي بن أبي طالب فقال: يا أيها الناس، إنما بايعتم الله (يد الله فوق أيديهم، فمن نكث فإنما ينكث على نفسه، ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما) والله لو علم على أن أحدا أحق بهذا الأمر منه ما قبله، ولو بايع الناس غيره لبايع من بايعوا، وأطاع من ولوا، وما به إلى أحد من صحابة رسول الله حاجة، وما بأحد عنه غنى، ولقد شاركهم في محاسنهم، وما شاركوه في محاسنه، ولقد بايعه هذان الرجلان وما يريدان الله، فاستعجلا الفطام قبل الرضاع، والرضاع قبل الولادة، والولادة قبل الحمل، وطلبا ثواب الله من العباد، وقد زعما أنهما بايعا مستكرهين. فإن كانا استكرها قبل بيعتهما كانا رجلين من عرض قريش لهما أن يقولا ولا يأمرا، ألا وإن الهدى ما كانت