طلحة، فقال: يا أبا عبد الرحمن، إنه والله لرب حق ضيعناه وتركناه، فلما حضر العذر قضينا بالحق، وأخذنا بالحظ، إن عليا يرى إنفاذ بيعته، وإن معاوية لا يرى أن يبايع له، وإنا نرى أن نردها شورى، فإن سرت معنا ومع أم المؤمنين صلحت الأمور، وإلا فهي الهلكة. فقال ابن عمر: إن يكن قولكما حقا ففضلا ضيعت، وإن يكن باطلا فشر منه نجوت، واعلما أن بيت عائشة خير لها من هودجها، وأنتما المدينة خير لكما من البصرة، والذل خير لكما من السيف، ولن يقاتل عليا إلا من كان خيرا منه، وأما الشورى فقد والله كانت، فقدم وأخرتما، ولن يردها إلا أولئك الذين حكموا فيها، فاكفياني أنفسكما، فانصرفا. فقال مروان: استعينا عليه بحفصة، فأتيا حفصة، فقالت: لو أطاعني أطاع عائشة، دعاه، فاتركاه وتوجها إلى البصرة. وأتاهما عبد الله بن خلف، فقال لهما: إنه ليس أحد من أهل الحجاز كان منه في عثمان شئ إلا وقد بلغ أهل العراق، وقد كان منكما في عثمان من التحليب والتأليب ما لا يدفعه جحود، ولا ينفعكما فيه عذر، وأحسن الناس فيكما قولا من أزال عنكما القتل وألزمكما الخذل، وقد بايع الناس عليا بيعة عامة، والناس لاقوكما غدا، فما تقولان؟ فقال طلحة: ننكر القتل، ونقر بالخذل، ولا ينفع الإقرار بالذنب إلا مع الندم عليه، ولقد ندمنا على ما كان منا. وقال الزبير: بايعنا عليا والسيف على أعناقنا، حيث تواثب الناس بالبيعة إليه دون مشورتنا، ولم نصب لعثمان خطأ فتجب علينا الدية، ولا عمدا فيجب علينا القصاص. فقال عبد الله بن خلف: عذركما أشد من ذنبكما، قال: فتهيأ القوم للمسير، فقال طلحة والزبير: أسرعوا السير، لعلنا نسبق عليا من خلاف طريقه إلى البصرة.
قال: وكتب قثم بن عباس إلى علي يخبره أن طلحة والزبير وعائشة قد خرجوا من مكة، يريدون البصرة، وقد استنفروا الناس، فلم يخف معهم إلا من لا يعتد بمسيره، ومن خلفت بعدك فعلى ما تحب. فلما قدم على علي كتابه غمه ذلك، وأعظمه الناس، وسقط في أيديهم، فقام قيس بن سعد بن عبادة، فقال: يا أمير المؤمنين، إنه والله ما غمنا بهذين الرجلين كغمنا بعائشة، لأن هذين الرجلين حلالا الدم عندنا، لبيعتهما ونكثهما، ولأن عائشة من علمت مقامها في الإسلام، ومكانها من رسول الله، مع فضلها ودينها وأمومتها منا ومنك، ولكنهما يقدمان البصرة، وليس كل أهلها لهما، وتقدم الكوفة، وكل أهلها لك، وتسير بحقك إلى باطلهم، ولقد كنا نخاف أن يسيرا إلى الشام، فيقال: صاحبا رسول الله وأم المؤمنين، فيشتد البلاء، وتعظم الفتنة، فأما إذا أتيا البصرة وقد سبقت إلى طاعتك، وسبقوا إلى بيعتك، وحكم عليهم عاملك، ولا والله ما معهما مثل ما معك، ولا يقدمان على مثل ما تقدم عليه، فسر فإن الله معك، وتتابعت الأنصار فقالوا وأحسنوا. قال: ولما نزل طلحة والزبير