سنين... كان فيها أصحابه إذا أرادوا الصلاة ذهبوا إلى شعاب مكة فاستخفوا بصلاتهم من قومهم. فبينا رسول الله في نفر من أصحابه في شعب من شعاب مكة يصلون إذ ظهر عليهم نفر من المشركين، فعابوا عليهم ما يصنعون (1)، وكأن هذه الحادثة كانت هي المناسبة لإعلان الدعوة. أما قبل ذلك فإنما كان يذكر النبوة لمن كان يطمئن إليه من أهله سرا. إذن فكيف اطلعت عليه أم جميل فاحتطبت عليه إلى المشركين فأشاعوا عليه أن الوحي منقطع عنه؟! اللهم الا أن نخلص من ذلك كما خلص ابن إسحاق فلم يقل بشئ من ذلك، وانما قال: ثم فتر الوحي عنه فترة حتى شق عليه وأحزنه فجاءه جبرئيل بسورة الضحى.
ولم يقل ما الذي نزل من القرآن قبلها حتى في ابتداء تنزيله، ولكنه بعد أن ذكر ابتداء النزول في شهر رمضان قال: ثم تتام الوحي إليه - صلى الله عليه [وآله] وسلم - وهو مؤمن بالله ومصدق بما جاءه منه قد قبله بقبوله وتحمل منه ما حمله على رضا العباد وسخطهم... فمضى على أمر الله على ما يلقى من قومه من الخلاف والأذى (2) ثم يقول: ثم فتر الوحي... فلو كان (صلى الله عليه وآله) إنما جعل يذكر النبوة سرا إلى من يطمئن إليه من أهله بعد قوله * (وأما بنعمة ربك فحدث) * (3) فكيف ومن أين علم به قومه فيتحمل ما يلقاه منهم من الخلاف والأذى؟!