قلت ليلة لغلام من قريش كان يرعى معي بأعلى مكة: لو أبصرت لي غنمي، حتى أدخل مكة فأسمر (1) بها كما يسمر الشباب فخرجت أريد ذلك، حتى إذا جئت أول دار من دور مكة سمعت عزفا بالدف والمزامير، فقلت: ما هذا؟ قالوا: هذا فلان تزوج ابنة فلان. فجلست أنظر إليهم، فضرب الله على اذني فنمت، فما أيقظني الا مس الشمس، فرجعت إلى صاحبي، فقال: ما فعلت؟ فقلت: ما صنعت شيئا. ثم أخبرته الخبر.
ثم قلت له ليلة أخرى مثل ذلك، فقال: افعل. فخرجت فسمعت حين دخلت مكة مثل ما سمعت حين دخلتها تلك الليلة، فجلست أنظر، فضرب الله على اذني، فما أيقظني الا مس الشمس، فرجعت إلى صاحبي فأخبرته الخبر. ثم ما هممت بعدها بسوء، حتى أكرمني الله برسالته (2).
وقال ابن إسحاق: شب رسول الله - صلى الله عليه [وآله] وسلم - والله تعالى يكلؤه ويحفظه ويحوطه من أقذار الجاهلية، لما يريد به من كرامة ورسالة، حتى بلغ أن كان رجلا، أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقا، وأكرمهم حسبا، وأحسنهم جوارا، وأعظمهم حلما، وأصدقهم حديثا، وأعظمهم أمانة حتى ما اسمه في قومه الا الأمين، وأبعدهم عن الفحش والأخلاق التي تدنس الرجال، تنزها وتكرما، جمع الله فيه كل ذلك (3).