بأشداقه، ويتكلم بجوامع الملك، فصلا لا فضول ولا تقصير، دمثا، ليس بالمجافي ولا المهين، يعظم النعمة وإن دقت، ولا يذم منها شيئا، غير أنه لم يكن يذم ذواقا (1)، ولا يمدحه، ولا تغضبه الدنيا ولا ما كان لها، فإذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد ولم يكن يغضبه شئ حتى ينتصر له، لا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها، إذا أشار أشار بكفه كلها: وإذا تعجب قلبها، وإذا تحدث اتصل بها، فيضرب بباطن راحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض طرفه، جل ضحكه التبسم، يفتر عن مثل حب الغمام.
قال الحسن: فكتمها الحسين زمانا ثم حدثنيه فوجدته قد سبقني إليه. فسأله عما سألته. فوجدته قد سأل (يعني عليا) رضي الله عنه عن مدخله ومخرجه، وشكله فلم يدع منه شيئا.
قال الحسين عليه السلام سألت أبا هريرة عن دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
كان دخوله لنفسه مأذونا له في ذلك، فكان إذا أوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء، جزءا الله عز وجل، وجزءا لأهله، وجزءا لنفسه، ثم جزءا جزأه بينه وبين الناس، فيرد ذلك على العامة بالخاصة ولا يدخر عنهم شيئا.
وكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بإذنه وقسمه (2) على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم والأمة من مسألته عنهم، وإخبارهم بالذي ينبغي لهم. ويقول ليبلغ الشاهد الغائب، وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغي حاجته، فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها إياه ثبت الله قدميه يوم القيامة، لا يذكر عنده إلا ذلك، ولا يقبل من أحد غيره، يدخلون عليه روادا ولا يفترقون إلا عن ذواق، ويخرجون أدلة (يعني فقهاء) (3).
قال: وسألته عن مخرجه كيف كان يصنع فيه؟ فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخزن لسانه (4) إلا فيما (5) يعينهم ويؤلفهم ولا ينفرهم، ويكرم كريم كل قوم ويوليه .