سطع، وفي لحيته كثافة، أزج أقرن، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سماه وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحسنه، وأحلاه من قريب، حلو المنطق، فصل لا نذر ولا هدر، وكأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، لا تشنؤه (1) من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصنا بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرا، وأحسنهم قدرا، له رفقاء يحفون به، إن قال انصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس ولا مفند صلى الله عليه وسلم، [وسيأتي] حديث أم معبد بطوله مشروحا عند ذكر المعجزات إن شاء الله تعالى.
وخرج الحافظ أبو يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي (2) من حديث جميع بن عمر العجلي، قال حدثني رجل بمكة عن ابن أبي هالة عن الحسن بن علي قال سألت خالي هند بن أبي هالة التميمي - وكان وصافا - عن حلية النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أشتهي أن يصف لي منها شيئا أتعلق به، فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فخما مفخما يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع، وأقصر من المشذب، عظيم الهامة، رجل الشعر. إن انفرقت عقيصته فرق، وإلا فلا يتجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره، أزهر اللون، واسع الجبين، أزج الحواجب سوابغ في غير قرن، بينهما عرق يدره الغضب أقنى العرنين، له نور يعلوه، يحسبه من لم يتأمله أشم، كث اللحية، سهل الخدين، ضليع الفم، أشنب، مفلج الأسنان، دقيق المسربة، كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة، أنور المتجرد، موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك، شثن الذراعين والمنكبين وأعلى الصدر، طويل الزندين، رحب الراحة، سبط العقب، شثن الكفين والقدمين، شائل الأطراف، خمصان الأخمصين، مسيح القدمين، ينبو عنهما الماء، فإذا زال زال قلعا، يخطو تكفيا، ويمشي هونا، ذريع المشية كأنما ينحط من صبب، وإذا التفت التفت جميعا، خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة، يسوق أصحابه ويبدأ من لقيه بالسلام، قلت: صف لي منطقه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان. دائم الفكرة، ليست له راحة، طويل السكوت، لا يتكلم في غير حاجة: يفتتح الكلام ويختتمه .