وكان شهما، بعيد الهمة، أبي النفس، وكان نجم ولد العباس في العلم والحكمة، وقد كان أخذ من جميع العلوم بقسط، وضرب فيها بسهم، وهو الذي استخرج كتاب إقليدس من الروم، وأمر بترجمته وتفصيله، وعقد المجالس في خلافته للمناظرة في الأديان والمقالات، وكان أستاذه فيها أبا الهذيل محمد بن الهذيل العلاف.
ودخل بلاد الجزيرة والشام، فأقام بها مدة طويلة، ثم غزا الروم، وفتح فتوحا كثيرة، وأبلى بلاء حسنا.
ثم توفى على نهر (البذندون) (1)، ودفن بطرسوس يوم الأربعاء لثمان خلون من رجب سنة ثمان عشرة ومائتين (2).
وكانت ولايته عشرين سنة وخمسة أشهر وثلاثة عشر يوما، وقد كان بلغ من السن تسعا وثلاثين سنة.
وقد كان بايع لابنه العباس بن المأمون بولاية العهد من بعده. وخلفه بالعراق.
[ولاية محمد المعتصم] فلما مات هو على نهر البذندون جمع أخوه أبو إسحاق محمد بن هارون المعتصم بالله إليه وجوه القواد والأجناد، فدعاهم إلى بيعته، فبايعوه.
فسار من طرسوس حتى وافى مدينة السلام، فدخلها، وخلع العباس بن المأمون عنها، وغلبه عليها، وبايعه الناس بها.
وكان قدومه بغداد مستهل شهر رمضان سنة ثمان عشرة ومائتين، فأقام بها سنتين، ثم مر بأتراكه إلى (سر من رأى) فابتناها، واتخذها دارا ومعسكرا.