قالوا: فلما نظرت الفرس إلى العرب قد حدقوا بهم، وبثوا الغارات في أرضهم قالوا فيما بينهما: إنما أتينا من تملك النساء علينا، فاجتمعوا على يزدجرد بن شهريار بن كسرى أبرويز، فملكوه عليهم، وهو يومئذ غلام ابن ست عشرة سنة، وثبتت طائفة على آزرميدخت، فتحارب الفريقان ، فكان الظفر ليزدجرد، فخلعت آزرميدخت، وتملك يزدجرد، فجمع إليه أطرافه، واستجاش أقطار أرضه، وولي عليهم رستم بن هرمز، وكان محنكا، قد جربته الدهور، فسار رستم نحو القادسية.
(موقعة القادسية) وبلغ ذلك جرير بن عبد الله والمثنى بن حارثة، فكتبا إلى عمر رضي الله عنه، يخبرانه، فندب عمر الناس، فاجتمع له نحو من عشرين ألف رجل، فولى أمرهم سعد بن أبي وقاص، فسار سعد بالجيوش حتى وافى القادسية، فضم إليه من كان هناك، وتوفي المثنى بن حارثة رحمه الله، فلما انقضت عدة امرأة المثنى تزوجها سعد بن أبي وقاص، وأقبل رستم بجنوده حتى نزل دير الأعور (1).
وإن سعدا بعث طليحة بن خويلد الأسدي، وكان من فرسان العرب في جمع ليأتيه بخبر القوم، فلما عاينوا سوادهم، ورأوا كثرتهم قالوا لطليحة:
(انصرف بنا)، فقال: (لا، ولكني ماض حتى أدخل عسكرهم، وأعلم علمهم). فاتهموه، وقالوا له: (ما نحسبك تريد إلا اللحاق بهم، وما كان الله ليهديك بعد قتلك عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم)، فقال لهم طليحة:
(ملأ الرعب قلوبكم)، وأقبل طليحة حتى دخل عسكر الفرس ليلا، فلم يزل يجوسه ليلته كلها، حتى إذا كان وجه السحر مر بفارس منهم يعد بألف فارس، وهو نائم، وفرسه مقيد، فنزل، ففك قيده، ثم شد مقوده بثغر (2) فرسه،