فارتاب الرجل بذلك، فلما تغيب عن يزدان جشنس، وفك الكتاب، وقرأه فإذا فيه حتفه، فرجع إلى يزدان جشنس، وهو مستخل، فضربه حتى قتله، وأخذ رأسه، فانطلق به إلى بهرام، وهو بالري، فألقاه بين يديه ، وقال: هذا رأس عدوك يزدان جشنس الذي وشى بك إلى الملك، وأفسد قلبه عليك، فقال له بهرام: (يا فاسق، أقتلت يزدان جشنس في شرفه وفضله، وقد كان خرج نحوي ليعتذر إلى مما كان منه، ويصلح بيني وبين الملك؟.
ثم أمر به، فضربت عنقه.
وبلغ من بباب الملك من العظماء والأشراف والمرازبة مقتل يزدان جشنس، وكان عظيما فيهم، فمشى بعضهم إلى بعض، وعزموا على خلع الملك، وتمليك ابنه كسرى، وكان الذي زين لهم ذلك، وحملهم عليه (بندوية وبسطام) خالا كسرى. وكانا محتبسين، فأرسلا إلى العظماء، أن أريحوا أنفسكم من ابن التركية، يعنيان الملك هرمزد، وقد قتل خيارنا، وأباد سراتنا، وذلك أنه كان مولعا بالعلية من أجل استطالتهم على أهل الضعف، فقتل منهم خلقا كثيرا، فاتفقوا على يوم يجتمعون فيه لذلك، فأقبلوا جميعا حتى أخرجوا بندويه وبسطاما من الحبس، وجميع من كان فيه.
(تولية كسرى أبرويز) ثم أقبلوا إلى الملك هرمزد فنكسوه عن سريره، وأخذوا تاجه ومنطقته وسيفه وقباءه، فأرسلوا بها إلى كسرى، وهو بآذربيجان.
فلما انتهى ذلك إليه سار مقبلا حتى ورد المدائن، ودخل الإيوان، واجتمع إليه العظماء، فقام فيهم خطيبا، فكان مما قال: المقادير ترى المرء ما لا يخطر بباله، والأسباب تأتي على خلاف الهوى، والبغي مصرعة لأهله، والخائب من أورطته رغبته، والحازم من قنع بما قضى له ولم تتق نفسه إلى أكثر منه. أيها الناس: ثابروا على ما يقربكم إلينا من طاعتنا ومناصحتنا، وإياكم