[خلافة هارون الرشيد] وفي ذلك العام استخلف هارون الرشيد، وحج، وانصرف إلى المدينة، فوضع لأهلها العطاء، وأجزل لهم.
وأقبل إلى العراق فوافى الكوفة، وعقد لأبي العباس الطوسي على خراسان، فلبث عليها عامين، ثم عزله.
واستعمل عليها محمد بن الأشعث.
وفي سنة أربع وسبعين ومائة وقعت العصبية بأرض الشام بين المضرية واليمانية، فتحاربوا حتى قتل من الفريقين بشر كثير.
وحج الرشيد في ذلك العام بالناس ومعه ابناه محمد، وعبد الله، وكتب بينهما كتابا بولاية العهد لمحمد، ومن بعده لعبد الله المأمون، وعلق الكتاب في جوف الكعبة، ثم انصرف إلى مدينة السلام.
واستعمل على خراسان الغطريف بن عطاء.
* * * قال علي بن حمزة الكسائي: ولأني الرشيد تأديب محمد وعبد الله، فكنت أشدد عليهما في الأدب، وآخذهما به أخذا شديدا، وبخاصة محمدا، فاتتني ذات يوم خالصة جارية أم جعفر.
فقالت: يا كسائي، إن السيدة تقرأ عليك السلام، وتقول لك، حاجتي إليك أن ترفق بابني محمد، فإنه ثمرة فؤادي وقرة عيني، وأنا أرق عليه رقة شديدة.
فقلت لخالصة: إن محمدا مرشح للخلافة بعد أبيه، ولا يجوز التقصير في تأديبه.
فقالت خالصة: إن لرقة السيدة سببا، أنا مخبرتك به.
أنها في الليلة التي ولدته أريت في منامها كان أربع نسوة أقبلن إليه، فاكتنفنه عن يمينه وشماله، وأمامه وورائه، فقالت التي بين يديه: (ملك قليل العمر، ضيق الصدر، عظيم الكبر، واهي الأمر، كثير الوزر، شديد الغدر)،