وكانت في خلافته فتوحات لم تكن لأحد من الخلفاء الذين مضوا مثلها قبله.
فمنها فتح بابك، وأسره وقتله إياه، وصلبه، ومنها (مازيار) صاحب قلعة طبرستان، فإنه تحصن في القلاع والجبال، فما زال به حتى أخذه، فقتله، وصلبه إلى جنب بابك، ومنها جعفر الكردي، وقد كان أخرب البلاد وسبى الذراري، فوجه الخيول في طلبه، ولم يزل به حتى أخذه وقتله، وصلبه إلى جنب بابك ومازيار، ومن ذلك فتح (عمورية) وهي القسطنطينية الصغرى، والأخرى فتحها الله على يديه.
* * * وكان ابتداء أمر بابك، أنه تحرك في آخر أيام المأمون وقد اختلف الناس في نسبه ومذهبه، والذي صح عندنا، وثبت، أنه كان من ولد مطهر بن فاطمة بنت أبي مسلم، هذه التي ينتسب إليها الفاطمية من الخرمية، لا إلى فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنشأ بابك، والحبل مضطرب، والفتن متصلة، فاستفتح أمره بقتل من حوله بالبذ، (1) وإخراب تك الأمصار والقرى التي حواليه، لتصفو له البلاد، ويصعب مطلبه، وتشتد المئونة في التوصل إليه، واشتدت شوكته، واستفحل أمره.
وقد كان المأمون وجه إليه حين اتصل به خبره عبد الله بن طاهر بن الحسين في جيش عظيم.
فسار إليه، ونزل في طريقه الدينور (2)، في ظاهرها، في مكان يعرف إلى يومنا هذا بقصر عبد الله بن طاهر، وهو كرم مشهور، ومكان مذكور.
ثم سار منها حتى وافى البذ، وقد عظم أمر بابك، وتهيبه الناس، فحاربوه، فلم يقدروا عليه، ففض جمعهم، وقتل صناديدهم.