فترجل القوم وتناولوا تلك الصرر، كل واحد صرة، وترك الرأس مقذوفا.
ثم إن أبا جعفر وضع لأصحاب أبي مسلم العطاء، ووجه الأموال إلى عسكر أبي مسلم حيت خلفه، فأسنى لهم العطاء، وكتب كتابا، فقرئ عليهم، يبسط فيه آمالهم، وأجزل صلات القواد والأشراف منهم، فأرضاهم ذلك.
واستدفت الخلافة لأبي جعفر المنصور سنة ثمان وثلاثين ومائة (1)، فوجه عماله إلى أقطار الأرض.
[مدينة بغداد] وأن أبا جعفر أحب أن يبني لنفسه جنوده مدينة ليتخذها دار المملكة.
فسار بنفسه يرتاد الأماكن حتى انتهى إلى بغداد، وهي إذ ذاك قرية يقوم بها سوق في كل شهر، فأعجبه المكان، فخط لنفسه وحشمه ومواليه وولده وأهل بيته المدينة، وسماها (مدينة السلام)، وبنى قصره وسطها إلى المسجد الأعظم.
ثم خط لجنوده حول المدينة، وجعل أهل كل بلد من خراسان في ناحية منها منفردة، وأمر الناس بالبناء، ووسع عليهم في النفقات، وأمر، فحفر نهر الفرات من ثمانية فراسخ، وفوهه النهر من دمما (2)، فأجرى إلى بغداد ليأتي فيه مواد الشام والجزيرة، كما تأتي مواد الموصل وما اتصل بالموصل في دجلة، وكان بناؤه إياها في سنة تسع وثلاثين ومائة (3).
ثم إن أبا جعفر حج بالناس سنة أربعين ومائة، وجعل منصرفه على مدينة الرسول، فوضع لأهلها العطاء، فأسنى لهم في الرزق وفرق فيهم الجوائز.
ومضى نحو الشام قاصدا لبيت المقدس حتى وافاها، فأقام بها شهرا، ثم سار إلى الرقة، فأقام بها بقية عامة ذلك، ثم سار من الرقة حتى وافى مدينة السلام، فأقام بها حولا كاملا.