أبا مسلم، فيناظره في بعض الأمور، ووجه معه ثلاثين رجلا من وجوه القواد، وفيهم الحجاج بن أرطأة الفقيه، وإسحق بن الفضل الهاشمي.
* * * فلما قدم المنصور على أبي مسلم لم يبالغ أبو مسلم في بره وإكرامه، ولم يظهر السرور التام بقدومه.
فانصرف إلى أبي العباس، وقال: (لست بخليفة ما دام أبو مسلم حيا، فاحتل لقتله قبل أن يفسد عليك أمرك، فلقد رأيته وكأنه لا أحد فوقه، ومثله لا يؤمن غدره ونكثه).
فقال أبو العباس: وكيف يمكن ذلك، ومعه أهل خراسان؟ وقد أشربت قلوبهم حبه، واتباع أمره، وإيثار طاعته.
فقال أبو جعفر: فذاك والله أحرى أن لا تأمنه، فاحتل له.
فقال أبو العباس: يا أخي، اضرب عن هذا، ولا تعلمن رأيك في ذلك أحدا. وإن أبا العباس قال ذات يوم للحجاج بن أرطأة، وقد خلا معه: ما تقول في أبي مسلم؟
فقال: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى يقول في كتابه: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا).
قال أبو العباس: أمسك، فقد فهمت ما أردت.
ثم إن أبا مسلم وجه محمد بن الأشعث بن عبد الرحمن أميرا على فارس.
ورأى أبو العباس أن يستعمل عليها عمه عيسى بن علي، فعقد له عليها، وأمره بالمسير إليها.
فلما قدم عيسى على محمد بن الأشعث أبى أن يسلم إليه.
فقال له عيسى: يا ابن الأشعث، أ لست في طاعة الإمام أبي العباس؟
قال: بلى، غير أن أبا مسلم أمرني ألا أسلم العمل إلى أحد من الناس.