قال أبو مسلم، بل أسير أنا.
فاستعد، وسار في اثني عشر ألفا من إبطال جنود خراسان حتى إذا وافى الشام انحاز إليه من كان بها من الجنود جميعهم، وبقي عبد الله بن علي وحده.
فعفا أبو مسلم عنه، ولم يؤاخذه بما كان منه.
وكانت خلافة أبي العباس أربع سنين وستة أشهر.
* * * وإن أبا جعفر عند مسير أبي مسلم نحو الشام وجه يقطين بن موسى في أثر أبي مسلم، وقال: (إن تكن هناك غنائم فتول قبضها).
وبلغ ذلك أبا مسلم، فشق عليه، وقال: (إن أمير المؤمنين لم يأتمني على ما هاهنا حتى استظهر على بأمين). ودخلته من ذلك وحشة شديدة.
ولما بلغ المنصور إصلاح الشام كره المقام بمدينة أبي العباس التي بالأنبار، فسار بعسكره إلى المدائن، فنزل إلى المدينة التي تدعى (الرومية) وهي من المدائن على فرسخ، وهي المدينة التي بناها كسرى أنوشروان، وأنزلها السبي الذي سباه من بلاد الروم، فأقام المنصور بتلك المدينة.
وإن أبا مسلم انصرف فأخذ على الفرات حتى وافى العراق على الأنبار، وجاز حتى وافى كرخ بغداد (1)، وهي إذ ذاك قرية، ثم عبر دجلة من بغداد، وأخذ طريق خراسان، وترك طريق المدائن.
وبلغ ذلك أبا جعفر.
فكتب إلى أبي مسلم: أريد مناظرتك في أمور لم يحتملها الكتاب، فخلف عسكرك حيث ينتهي إليك كتابي، فاقدم على.
فلم يلتفت أبو مسلم إلى كتاب المنصور، ولم يعبأ به.
وكان مع المنصور رجل من ولد جرير بن عبد الله البجلي، واسمه (جرير بن يزيد بن عبد الله)، وكانت له خلابة، وتأت في الأمور، ومكيدة.
فقال له أبو جعفر: (اركب البريد حتى تلحق أبا مسلم، فتحاول رده إلي،