وقال: يا طارق، إني قد اخترتك لحراسة هذه المدينة على جميع أصحابك من خاصتنا، فكن كنحو ثقتي بك.
* * * ولما طال على ابن هبيرة الحصار بعث إلى المنصور يسأله الأمان، فأرسل إليه:
(إن أردت أن أؤمنك على حكم أمير المؤمنين أبي العباس فعلت).
فشاور ابن هبيرة نصحاءه، فأشاروا عليه أن يفعل.
فأرسل إلى أبي جعفر يعلمه: أني راض بذلك.
فكتب إليه أبو جعفر ذلك بخطه، وأشهد على نفسه بذلك القواد.
فخرج ابن هبيرة إلى أبي جعفر في نفر من بطانته، فدخل عليه، وهو في سرادقه، وحول السرادق عشرة آلاف نفر من أهل خراسان مستلئمين في السلاح، فأمر أبو جعفر بوسادة، فجلس عليها قليلا، ثم نهض، ودعي له بدابته، فركب، وانصرف إلى منزله، وفتحت أبواب المدينة، ودخل الناس بعضهم في بعض.
قالوا: وأحصى ما في الخزائن من الأموال والسلاح، وما بقي من الطعام والعلف الذي كان ابن هبيرة قد ادخر، وأعد للحصار، فكان المال ثلاثة آلاف ألف درهم، ومن السلاح شئ كثير، وطعام ثلاثين ألف رجل، وعلف عشرين ألف رأس من الدواب سنة.
وإن أبا جعفر كتب إلى أبي العباس يخبره بخروج ابن هبيرة على حكمه، ويسأله أن يعلمه الذي يرى فيه.
فكتب أبو العباس: لا حكم لابن هبيرة عندي إلا السيف.
فلما انتهى الكتاب بذلك إلى أبي جعفر كتمه عن جميع الناس.
وقال لحاجبه: مر ابن هبيرة إذا ركب إلينا ألا يركب إلا في غلام واحد، ويدع عنه هذه الجماعات.
فلما كان من غد ركب ابن هبيرة إلى أبي جعفر في موكب عظيم.