(مداولة الحكمين) قالوا: ثم إن عمرو بن العاص جعل يظهر تبجيل أبي موسى وإجلاله، وتقديمه في الكلام وتوقيره، ويقول: (صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلي، وأنت أكبر سنا مني). ثم اجتمعا ليتناظرا في الحكومة، فقال أبو موسى:
(يا عمرو، هل لك فيما فيه صلاح الأمة ورضي الله؟).
قال: (وما هو؟).
قال: (نولي عبد الله بن عمر، فإنه لم يدخل نفسه في شئ من هذه الحروب).
قال له عمرو: (أين أنت من معاوية؟).
قال أبو موسى: (ما معاوية موضعا لها، ولا يستحقها بشئ من الأمور).
قال عمرو: (ألست تعلم أن عثمان قتل مظلوما؟).
قال: (بلى).
قال: (فإن معاوية ولى عثمان، وبيته بعد في قريش ما قد علمت، فإن قال الناس: لم ولي الأمر وليست له سابقة؟ فإن لك في ذلك عذرا، تقول: إني وجدته ولى عثمان، والله تعالى يقول: (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) وهو مع هذا أخو أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أحد أصحابه).
قال أبو موسى: (اتق الله يا عمرو، أما ما ذكرت من شرف معاوية)، فلو كان يستوجب بالشرف الخلافة، لكان أحق الناس بها أبرهة بن الصباح، فإنه من أبناء ملوك اليمن التبابعة الذين ملكوا شرق الأرض وغربها، ثم أي شرف لمعاوية مع علي بن أبي طالب؟، وأما قولك إن معاوية ولي عثمان، فأولى منه ابنه عمرو بن عثمان، ولكن إن طاوعتني أحيينا سنة عمر بن الخطاب وذكره بتوليتنا ابنه عبد الله الحبر (1)).