وأمر على بالنداء في الناس أن يأخذوا أهبة الحرب، ثم عبى جنوده، فولى الميمنة حجر بن عدي، وولى الميسرة شبث بن ربعي، وولى الخيل أبا أيوب الأنصاري، وولى الرجالة أبا قتادة.
واستعد الخوارج فجعلوا على ميمنتهم يزيد بن حصين، وعلى ميسرتهم شريح ابن أبي أوفى العبسي - وكان من نساكهم - وعلى الرجالة حرقوص بن زهير، وعلى الخيل كلها عبد الله بن وهب.
ورفع علي راية، وضم إليها ألفي رجل، ونادى: (من التجأ إلى هذه الراية فهو آمن).
ثم تواقف الفريقان، فقال فروة بن نوفل الأشجعي - وكان من رؤساء الخوارج - لأصحابه: (يا قوم، والله ما ندري، علام نقاتل عليا، وليست لنا في قتله حجة ولا بيان، يا قوم، انصرفوا بنا حتى تنفذ لنا البصيرة في قتاله أو اتباعه).
فترك أصحابه في مواقفهم، ومضى في خمسمائة رجل حتى أتى إلى البندنيجين (1)، وخرجت طائفة أخرى حتى لحقوا بالكوفة، واستأمن إلى الراية منهم ألف رجل، فلم يبق مع عبد الله بن وهب إلا أقل من أربعة آلاف رجل.
فقال علي لأصحابه: (لا تبدؤوهم بالقتال حتى يبدؤوكم)، فتنادت الخوارج:
(لاحكم إلا الله، وإن كره المشركون). ثم شدوا على أصحاب علي شدة رجل واحد، فلم تثبت خيل علي لشدتهم، وافترقت الخوارج فرقتين، فرقة أخذت نحو الميمنة، وفرقة أخرى نحو الميسرة.
وعطف عليهم أصحاب علي، وحمل قيس بن معاوية البرجمي من أصحاب علي على شريح بن أبي أوفى، فضربه بالسيف على ساقه، فأبانها، فجعل يقاتل برجل واحدة وهو يقول: (الفحل يحمي شوله معقولا) (2)، فحمل عليه قيس ابن سعد فقتله، وقتلت الخوارج كلها ربضة (3) واحدة.