ثم مر على رايات مراد، فقرأه عليهم، فقال صالح بن شقيق، وكان من أفاضلهم (لا حكم إلا لله، وإن كره المشركون، ثم مر به على رايات بني راسب، فتنادوا (لا يحكم الرجال في دين الله)، ثم مر به على رايات بني تميم، فقالوا مثل ذلك، فقال عروة بن أدية: (أتحكمون في دين الله الرجال، فأين قتلانا يا أشعث؟) ثم حمل بسيفه على الأشعث، فأخطأه، وأصاب السيف عجز دابته، فانصرف الأشعث إلى قومه، فمشى إليه سادات تميم، فاعتذروا إليه، فقبل وصفح.
وأقبل سليمان بن صرد إلى على مضروبا في وجهه بالسيف، فقال: (يا أمير المؤمنين، أما لو وجدت أعوانا ما كتبت هذه الصحيفة). وقام محرز بن خنيس بن ضليع إلى علي، فقال: (يا أمير المؤمنين، أما إلى الرجوع عن هذا الكتاب سبيل، فوالله إني لخائف أن يورثك ذلا؟). قال علي: (أبعد أن كتبناه ننقضه؟ هذا لا يجوز) ثم إن عليا ومعاوية اتفقا على أن يكون مجتمع الحكمين بدومة الجندل، وهو المنصف بين العراق والشام. ووجه علي مع أبي موسى شريح بن هانئ في أربعة آلاف من خاصته، وصير عبد الله بن عباس على صلاتهم، وبعث معاوية مع عمرو بن العاص أبا الأعور السلمي في مثل ذلك من أهل الشام.
فساروا من صفين حتى وافوا دومة الجندل، وانصرف علي بأصحابه حتى وافى الكوفة، وانصرف معاوية بأصحابه حتى وافى دمشق، ينتظران ما يكون من أمر الحكمين.
وكان علي إذا كتب إلى ابن عباس في أمر اجتمع إليه أصحابه، فقالوا:
(ما كتب إليك أمير المؤمنين؟) فيكتمهم، فيقولون: (لم كتمتنا؟ وإنما كتب إليك في كذا وكذا)، فلا يزالون يزكنون (1) حتى يقفوا على ما كتب.