وتأتي كتب معاوية إلى عمرو بن العاص، فلا يأتيه أحد من أصحابه، يسأله عن شئ من أمره.
قالوا: وكتب معاوية إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب، وإلى عبد الله بن الزبير، وإلى أبي الجهم بن حذيفة، وإلى عبد الرحمن بن عبد يغوث: (أما بعد، فإن الحرب قد وضعت أوزارها، وصار هذان الرجلان إلى دومة الجندل، فاقدموا عليهما إن كنتم قد اعتزلتم الحرب، فلم تدخلوا فيما دخل فيه الناس، لتشهدوا ما يكون منهما، والسلام). فلما أتاهم كتابه ساروا جميعا إلى دومة الجندل، فأقاموا ينتظرون ما يكون من الرجلين، وحضر معهم سعد بن أبي وقاص، وسار المغيرة بن شعبة، وكان مقيما بالطائف لم يشهد شيئا من تلك الحروب حتى أتى دومة الجندل، فأقام ينتظر ما يكون منهما، فلما طال مقامه سار من هناك حتى أتى معاوية بدمشق، فقال له معاوية: (أشر على بما ترى)، فقال له المغيرة: (لو أشرت عليك لقاتلت معك، ولكني قد أتيتك بخبر الرجلين).
قال: (وما خبرهما؟).
قال: (إني خلوت بأبي موسى لأبلو ما عنده، فقلت: (ما تقول فيمن اعتزل عن هذا الأمر، وجلس في بيته كراهية للدماء؟)، فقال: (أولئك خيار الناس، خفت ظهورهم من دماء إخوانهم، وبطونهم من أموالهم).
قال: (فخرجت من عنده، وأتيت عمرو بن العاص، فقلت: (يا أبا عبد الله، ما تقول فيمن اعتزل هذه الحروب؟)، فقال: (أولئك شرار الناس، لم يعرفوا حقا، ولم ينكروا باطلا). (وأنا أحسب أبا موسى خالعا صاحبه، وجاعلها) لرجل لم يشهد، وأحسب هواه في عبد الله بن عمر بن الخطاب. وأما عمرو بن العاص فهو صاحبك الذي عرفته، وأحسب سيطلبها لنفسه أو لابنه عبد الله، ولا أراه يظن أنك أحق بهذا الأمر منه). فأقلق ذلك معاوية).