فقال عمرو: (ما كنت أتقدمك وأنت أفضل مني فضلا، وأقدم هجرة وسنا).
فبدأ أبو موسى، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
(أيها الناس، إنا قد نظرنا فيما يجمع الله به ألفة هذه الأمة ويصلح أمرها، فلم نر شيئا هو أبلغ في ذلك من خلع هذين الرجلين، علي ومعاوية، وتصييرها شورى ليختار الناس لأنفسهم من رأوه لها أهلا، وإني قد خلعت عليا ومعاوية، فاستقبلوا أمركم، وولوا عليكم من أحببتم) ثم نزل.
وصعد عمرو، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
(إن هذا قد قال ما سمعتم، وخلع صاحبه، ألا وإني قد خلعت صاحبه كما خلعه، وأثبت صاحبي معاوية، فإنه ولي أمير المؤمنين عثمان، والطالب بدمه، وأحق الناس بمقامه).
فقال له أبو موسى: (مالك، لا وفقك الله، غدرت وفجرت، وإنما مثلك مثل الكلب، إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث).
فقال له عمرو: (ومثلك كمثل الحمار يحمل أسفارا).
* * * وحمل شريح بن هانئ على عمرو فقنعه (1) بالسوط، وحجز الناس بينهما، وكان شريح يقول: (ما ندمت على شئ قط كندامتي ألا أكون ضربته مكان السوط بالسيف، أتى الدهر في ذلك بما أتى).
وانسل أبو موسى، فركب راحلته، وهرب، حتى لحق بمكة، فكان ابن عباس يقول: (لحي الله أبا موسى، لقد نبهته فما انتبه، وحذرته بما صار إليه فما انحاش (2). وكان أبو موسى يقول: (لقد حذرني ابن عباس غدر عمرو، فاطمأننت إليه، ولم أظن أنه يؤثر شيئا على نصيحة المسلمين).