مرازبته، قال يزدان جشنس رئيس وزرائه: (أيها الملك، ما كان أعظم المائدة التي منها هذه اللقمة)، فوقعت هذه الكلمة في قلب هرمزد، وارتاب بأمانة بهرام، وظن أن الأمر كما قال يزدان جشنس، فانظر كم داهية دهياء وحروب وبلاء جرت هذه الكلمة.
ودخل هرمزد منها الغضب والغيظ على بهرام ما أنساه حسن بلائه، فأرسل إلى بهرام بجامعة ومنطق امرأة ومغزل، وكتب إليه (أنه قد صح عندي أنك لم تبعث إلي من تلك الغنائم إلا قليلا من كثير، والذنب لي في تشريفي إياك، وقد بعثت إليك بجامعة، فضمها في عنقك، ومنطق امرأة، فتنطق بها، ومغزل، فليكن في يدك، فإن الغدر والكفران من أخلاق النساء) . فلما وصل ذلك إلى بهرام كظم غيظه، وعلم أنه إنما أتى من الوشاة، فوضع الجامعة في عنقه، وصير المنطق في وسطه، وأخذ المغزل في يده، ثم أذن لعظماء أصحابه، فدخلوا عليه، ثم أقرأهم كتاب الملك إليه، فلما سمع أصحابه ذلك يئسوا من خير الملك، وعملوا أنه لم يشكر لهم حسن بلائهم، فقالوا:
نقول كما قال أولوا خوارجنا لأردشير: (ملك ولا يزدان). ونحن نقول: لا هرمزد ملك، ولا يزدان جشنس وزير) . وكانت قصة أولي خوارجهم: أن أردشير بابكان كان صار إليه بعض الحواريين، فاستجاب له، ودخل في دين المسيح صلى الله عليه وسلم، وكان في عصره، وشايعه على ذلك وزيره يزدان، فغضب العجم لذلك، وهموا بخلع أردشير حتى أظهر لهم الرجوع عما هم به من ذلك، فأقروه على الملك.
فقال أصحاب بهرام لبهرام: (إن أنت تابعتنا على خلع هرمزد والخروج عليه، وإلا خلعناك، ورأسنا غيرك، فلما رأى اجتماعهم على ذلك أجابهم على أسف وهم وكراهية.